سقطت التربية والأخلاق .. في حضرة “روتيني اليومي” و “التفاهة”
ما 24 تيفي _ بقلم أمين شطيبة
كان يمكن أن يكون العنوان كافي لإصال الرسالة لكن لابد من ذكر مقتطف من رواية “سبعة أيام في نهر الجنون” للروائي التركي مراد غلوصي حينما قال “قلت لك إنني أقرأ جميع الكتب الصادرة، ولكن لا تفهمني خطأ، فأنا لا أقرأها إعجابا بها، إنما أقرأها بدافع الفضول وحب الاطلاع، باحثاً عن ذلك الذي عثر على ما لم أعثر عليه، وأطيل البحث. ولكن، ويا للأسف، لا أجد ما أبحث عنه في معظم الأحيان، فعندما أزيل زخرف الجمل المزينة، تبرز لي عواطف فجة من: الطموح والشهوة والرغبة في نيل الإعجاب، والقلق من الانتقاد، وشتى أنواع التعاسة، ويضحكني ركام الكتب والقصص والروايات المكتوبة على عجل، بدعوى “إفهام الإنسان”، وعند نقطة معينةٍ لا أستطيع الضحك من الجهد الذي يبذله أولئك السيدات والسادة، للتخلص من هاجس إخفاء تخبطهم في دوامة القلق على مبيعاتهم اليومية”، كأنها إسقاط على ما أصبح ينتشر في العالم الإفتراضي اليوم من فيديوهات وصور ومقالات، الكل منزعج من “روتيني اليومي” ونفس الكل يتابع بشغف “يومهم الروتيني” …
لابد أن نكون من زمرة المتسائلين ما المسببات التي أوصلت “التفاهة” إلى أن تكتسح مواقع التواصل الاجتماعية، هل المادة ؟ أم شغف المشاهدة؟ وهل المحتوى يحتوي على محتوى؟ … أسئلة وأخرى تتكرر أما الإجابة عنها تبقى رهينه عقل كل شخص وكيف سيحل المعادلة …
المادة .. الغاية تبرر الوسيلة هذا ما قاله ميكيافيلي في كتاب الأمير قبل خمسمائة سنة والأغلبية اليوم يمارسون هذه القولة في تعاملاتهم اليومية، فذلك الذي ينشر فيديو مخل بالحياء والتي تبرز مؤهلاتها الجسدية في الصور والذين يسارعون إلى صنع فيديوهات “روتيني اليومي” و “عقيقة فلانة” و”فضيحة فلان” مضطرين لجمع نسبة المشاهدة لكي يحصل كل واحد منهم على أموال “أدسنس” ليبقى السؤال الجوهري هل مذنبون أم بريئون؟
أما شغف المشاهدة .. فهو الدافع الأساسي لإكتساح “التفاهة” كل الهواتف والحواسب والمواقع الاجتماعية، والغريب أن الكل يندد ويستنكر هذه الظواهر الشادة في حين أن نسبة المشاهدة تصل الى نصف مليون او أكثر حتى أصبح الحديث عن الثقافة ضربا من العبث العقلي في العصر الراهن فالإنسان الحالي لا رغبة له في التأمل والتفكير ولا وقت له لذلك فلقد حاصره التافهون من كل جهة بالمشاهد وحاصروه بالصور حتى أصبحت الصورة هي الوسيلة الوحيدة للتفكير وأصبحت الكتابة غريبة في العصر الراهن وغدت الكلمات مشردة تبحث لها عن مأوي بين الأنامل فلا تجد، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ” أميتوا الباطل بالسكوت عنه”؛ واليوم كل المستخدمين للمواقع الاجتماعية عليهم تجاهل هؤلاء لكي لا يزداد حجمهم.. فخطورتهم أصبحت في أنهم أصبحوا قدوة للأجيال المقبلة.
وهل المحتوى يحتوي على محتوى؟ تسائل فقد البوصلة وتاه في صحراء قاحلة لا ماء فيها وهو مهدد بالموت جوعا وعطشا ولا أحد من العابرين حوله يرغب في نجدته، لأن المحتوى بكل بساطة هو المعلومات والخبرات التي قد تكون ذات قيمة للمشاهد، وأي معلومات يقدمها أصحاب “روتيني اليومي” غير تقديم الجسم شبه عاري، وأي خبرات يقدمها “اكشون انون” و”ساري كول” و”ماجوارهم في فلكهم”.
لا ضوء يلوح في مواقع التواصل الاجتماعي، والعتمة اكتملت اليوم حين اتشح العالم الإفتراضي بالسواد حدادًا، والمعرفة مفقودة ظلت كئيبة حتى عبرت البرزخ غرقًا في كأس التفاهة التي فاضت من “معمل روتيني اليومي”.. وهل يستوي العلم والجهل وهل من العدل أن تفوق فيديوهات “حاسي ونزار” محاضرات المهدي المنجرة …