مغاربة العالم.. سؤال هوية أم أزمة تمثيلية
Ma24tv-المهدي رحالي
يتجاوز تعداد المغاربة خارج الوطن الأم عدد الخمس ملايين، حيث يشكلون ببلدان الإقامة التي تتصدرها الدول الأوربية قوة على شتى الأصعدة، حيث يتبوؤون مراكز و مناصب مهمة كعموديات مدن و إدارة قنوات فضائية و يحتركون الاختصاص في عمليات طبية جد معقدة و حتى مراكز هامة بشركات متعددة التخصصات، ويشكلون أيضا صمام أمان للأسرهم و ذويهم بالمغرب خصوصا فيما يخص الجانب المادي من التضامن الذي يتعهدون به قبل مغادرتهم تراب المملكة، حيث تلقى المغرب تحويلات مالية وصلت حد 79.66 مليار درهم سنة 2021، و حتى شهر يناير من هذه السنة تجاوزت هذه التحويلات 6 مليار درهم.
لكن ما فتئ مغاربة العالم بعبرون عن امتنان واستياء من السياسات والاختيارات الخارجية التي يكون لها وقع عليهم، هذا يحيلنا الى ضرورة استعراض أهم الاشواط التي قطعتها المملكة المغربية حول هذا الخصوص.
1-مغاربة العالم وديار المهجر.
معروف اندماج المغاربة في أي مجتمع ساقتهم له الاقدار، نظرا لكون المغرب منذ الازل قنطرة عدة قوافل تجارية فكرية، ومصب روافد عدة مذاهب وإيديولوجيات وعرقيات وانتماءات، أيضا مكان انهيار تعصب اللغات للهجتها وضوابطها، فاللسان المغربي مهيأ مبدأ لاحتراف أي لسان ما يجعله عاملا هاما في انسياب المغترب في ذلك المجتمع، ما جعل المغاربة ذوي حظوظ أكثر في إجاد بوصلة الطريق نحو الاستقرار والتميز ببلدان الإقامة.
غير ان ولوج مؤسسة الزواج بنية الاستقرار لدى الغالبية قائم على منظومة أخلاقية وقيمية رسخت في بلد النشأة في قناعات الشخص، هذا يوجب على الشريك المفترض ان يكون ذو شروط تجعل من المقيم في المهجر يفضل الالتجاء الى بلد الأصل لاختيار هذا الشريك خصوصا الذكور، حيث لا نجد هذا الإشكال لدى الإناث حيث يستحسن الزواج بالأجنبي او مزدوج جنسية كنوع من ضمان المستقبل و الاستقرار، و الزواج بالأجنبي لدى الإناث ليس بالضرورة مقرونا باذا كانت مستقرة بالمهجر بل هناك من يأتي نصيبها حتى باب منزلها، النقاش هنا ليس حول تحليل الأرقام بل في الإشكالات التي تعوق و تعرقل حالات التجنيس و إعداد طلب التأشيرة بل الزواج من الأساس، خصوصا المنظومة القضائية المغربية التي لم تضبط بعد الزواج العرفي بديار المهجر، حيث في هذا الصدد أشار وزير العدل إلى إلحاق العديد من القضاة بسفارات وقنصليات المملكة بالخارج سواء في إطار قضاة الاتصال او قضاة التوثيق، أيضا مؤخرا تم الإعلان عن نية الوزارات الوصية لوضع إطار قانوني يعفي الام من الحصول على موافقة صريحة من الأب لإعداد جواز السفر.
2- مغاربة العالم وسؤال الهوية.
الهوية امتحان يجتازه المغترب باستمرار، ويزمله المراجعة والتقويم المستمر لمواقفه وقناعاته، كون هذه القناعات التي بناها الشخص في بلد النشأة والثقافة التي يتبناها يخلق مقاومة لبعض العادات والممارسات في بلاد المهجر، حيث انهيار هذه المقاومة مسألة وقت إذا لم تكن مبنية عن اقتناع وتباث معتنقها، هذا إن لم يأدي لصدمة ثقافية تجعل الشخص ينسلخ عن كل ركائز هويته أو أغلبها فور تذوقه ثقافة بلد الإقامة.
4-مغاربة العالم ومجلس الجالية.
مجلس الجالية هيئة استشارية محدثة بموجب بالظهير الملكي رقم 1.07.208 بتاريخ 21 دجنبر 2007، مجلس الجالية دستوريا هو الذي يحتكر تمثيل مغاربة العالم، طالما شهد انتقادات من مؤثرين وفاعلين من المغاربة المنتمين للجالية المغربية من حيث عدم تداول مناصبه بين فعاليات الجالية و كفاءاتها و كذلك فيما يخص التدبير المالي للميزانية التي تضخ لهذا المجلس التي لم تكن حصيلته في نفس مستواها و التي يصفها البعض بالهزيلة، حيث يؤكدون لضرورة إحداث جهاز لمراقبة الشؤون المالية لهذا المجلس، هناك من الأصوات من تقترح ان تكون لجنة تقصي يعينها الملك باعتباره قائد الدبلوماسية المغربية بالعالم، و أيضا كون الخطابات التي يلقيها جلالته لا تخلوا من منطق إقران المسؤولية بالمحاسبة، فسند شرعية هذا المجلس توجد بالفصل 163 من الدستور المغربي حيث نجد بالحرف: >>يتولى مجلس الجالية المغربية بالخارج، على الخصوص، إبداء أرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه<<.
5- مغاربة العالم والدبلوماسية المغربية.
عموما مجهودات الدبلوماسية تشهد ثناء لدى نسبة محترمة من الجالية المغربية لما أصبحت تسير نحو حس التواصل الذي كان اخر امتحاناته الحرب الأوكرانية الروسية، فبعد الارتباك الذي بدى لدى كل من الطلبة والدبلوماسية في اتخاذ قرار حاسم، الذي تطور في بعض الأحيان لفشل في الإجلاء دون تأثر المسار الأكاديمي للطلبة، غير انه كانت الحصيلة مشرفة أمام العدد الذي تم اجلائه في ظل التصعيد والاحداث المتسارعة التي كانت آنذاك، هذا يخلق حول امل حول الانتظارات التي ما فتئت الجالية تعبر عن حاجتها لها.
6- مغاربة العالم والدبلوماسية الموازية.
اشكال الدبلوماسية الموازية من اكثر الملفات الحالية الشائكة لخصوصيته الحساسة، فهو رافعة تعتمدها الدولة المغربية للتعريف بثقافتها و قضاياها للرأي العام لدى تلك الدولة و مؤسسات تلك الدول تحت ما قد يندرج تحت أليات القوة ناعمة و الدبلوماسية التشاركية، وتعتمده أيضا الدبلوماسية الرسمية لتأطير الجالية و خلق نوع من الجو الاخوي و العائلي المغربي، غير أنه ليس كل هذه الفعاليات توفق في الالتزام بأخلاقيات الفعل المدني، فقد ينقلب هذا التنافس لصراع على الموقع المعنوي لدى كل من الجالية و الدبلوماسية الرسمية، بل يصل لصراع على الاحقية في تلقي الدعم المادي من عند التمثيليات الرسمية للبلد الأم و بلد الإقامة، ما أدى لتصريح الوزيرة المكلفة لدى وزير الخارجية في أحد المناسبات بتصريح مفاده انه ليس من السوي دعم البلد الام لهذه الفعاليات بل هذه الفعاليات هي من عليها الرفع من مداخيل المغرب من تحويلات الجالية.
7- مغاربة العالم والمشاركة السياسية ببلدان الإقامة.
للمغاربة شجاعة قل نظيرها بين الجاليات الأخرى جعلت مغاربة العالم يخوضون العديد من التجارب سياسية في ديار المهجر، فنجد هذه التجارب تتبلور لتصبح ترشيحات رسمية للانتخابات بدول الإقامة، مرة تتوج هذه التجارب بأن يصبحوا برلمانيين، وزراء، عمداء وأحيانا يحصدون شرف المشاركة، هذا يجعلنا أمام واقع مفاده أن مغاربة العالم لهم من المؤهلات ما يكفي لتكون لهم مشاركة سياسية حتى في وطنهم الام، و ما يعزز هذا أن الأحزاب المغربية أدركت أهمية التأطير سياسي لمغاربة العالم فشرعت تفتح فروعها وتنسيقياتها في جل دول العالم ، لكن للأسف تجد الجالية صعوبة فقط قي التصويت بالانتخابات المغربية، أي تتويج هذه المجهودات بالتفعيل الحقيقي لهذا الحق الدستوري لازال مطلبا ملحا.
8-مغاربة العالم والمشاركة السياسية بالمغرب، واقع وآفاق.
تتعد المطالب هذا يجعل من الضروري ان تكون لمغاربة العالم قوة سياسية، فحرقة مغاربة العالم وممارستهم وعيشهم في الدول الديموقراطية والمتقدمة في أوراشها الموازية جعلتهم يوجهون مطالبهم لتمكينهم من قوة ذات طابع تقريري وتدبيري، فأنا أقترح مثلا ان يكون مجلس الجهة 13، مماثل للمجالس الجهوية في الهياكل والتنظيم ويتم الحاق كل المجالس السالفة الذكر ذات طابع الاستشاري تحت سلطته، ويكون أيضا بمثابة مديرية أو جهاز داخل وزارة جالية منتخبة ومسيرة عبر انتخابات مباشرة من طرف مغاربة العالم، عبر:
-إحداث ما يوازي مجالس إقليمية لكل قارة او تكتل جيوسياسي تكون له سلطة تنظيم وإدارة القنصليات المغربية عبر نفوذ ذلك التكتل.
-قاعدة نيابية ذات سلطة تشريعية تكون لها مثلا 40% من الوزن السياسي والتشريعي لمجلس المستشارين و25% من مجلس النواب.
هذه الكتلة تعين أحد أعضائها وزيرا لهذه الوزارة المفترضة عبر التصويت، أو لماذا لا تكون غرفة ثالثة مستقلة بحد ذاتها، ويمكن أيضا الاستفادة من ورش الجهوية المتقدمة لإنصاف مغاربة العالم في المشاركة سياسية وخصوصا لما يكنهم تقديمه كون أغلبهم قد ينحدر من دول راسخة في هذا الورش.
حيث فيزيائيا للتوجيه الصحيح لنظام ما في فضاء معين، علينا اعتبار القوى والمؤثرات التي تنشط به من الداخل والتي تأثر عليه من الخارج واحصائها بشكل لا يضمن التكرير وإحصائها نفس القوى بالداخل بأشكال مختلفة، أي إبحار المملكة نحو التطور يجب أن يشرك رأي وتدبير غيورين على البلد من خارج السفينة كي يكون الإبحار ممنهجا وفي أقصر وأسهل طريق، وليس إعداد لوائح مختلفة بمعايير مختلفة لنفس الفاعلين الداخليين، فيجب ان يكون نوعان فقط من اللوائح، يعتبر كل واحد منهما فقط الاستحقاق والموقع، وليس الجنس أو السن، أي لوائح داخلية يصوت عنها المغاربة في جميع بقاع العالم، ولوائح خارجية يصوت عنها فقط مغاربة العالم.