كلمة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة بمناسبة لقاء تتبع وتقييم تنفيذ البروتوكول الترابي للتكفل بالنساء ضحايا العنف
بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
السيدة وزيرة التضامن والادماج الاجتماعي والأسرة؛
السيد المفتش العام ممثل السيد وزير الصحة والحماية الاجتماعية؛
السيدة ممثلة منظمة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة،
الحضور الكريم كل باسمه وصفته والاحترام والتقدير الواجبين له.
حضرات السيدات والسادة؛
يسعدني في مستهل كلمتي أن أعبر لكم عن بالغ فخري واعتزازي وأنا أحضر معكم لافتتاح هذا اللقاء الدراسي الذي تنظمه رئاسة النيابة العامة بتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لتمكين المرأة والمساواة ONUFEMMES، بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر وفي إطار تفعيل التزامات إعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات الذي تم إطلاقه تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم، وأغتنم هذه الفرصة لأتوجه بالشكر والعرفان للسيدة ليلى رحيوي ممثلة المنظمة المذكورة على الدعم الذي ما فتئت تقدمه لمبادرات رئاسة النيابة العامة في إطار دعم المساواة بين الجنسين وتعزيز الحماية القضائية للنساء، كما أشكر الحضور الكريم كل في موقعه على سعيه الحثيث لإنجاح مثل هذه المبادرات التي تسعى إلى منح المرأة المكانة التي تستحقها والمكفولة لها بمقتضى الشرائع والعهود الدولية ذات الصلة، وكذا القوانين الوطنية بمختلف تصنيفاتها، هذه المكانة التي ما فتئ جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده يحرص على إبرازها في خطاباته السامية وكذا رسائله الكريمة لمختلف التظاهرات الكبرى المهتمة بشأن المرأة، ونستحضر في هذا الإطار نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالة الملك نصره الله بمناسبة الذكرى 23 لاعتلائه عرش أسلافه المنعمين يوم 30 يوليوز 2022، الذي جاء فيه” إن بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية، لذا نشدد مرة أخرى، على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية، في كل المجالات.
وقد حرصنا منذ اعتلائنا العرش، على النهوض بوضعية المرأة، وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها، ومن أهم الإصلاحات التي قمنا بها، إصدار مدونة الأسرة، واعتماد دستور 2011، الذي يكرس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، وينص على مبدأ المناصفة كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه.
فالأمر هنا، لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية؛ وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية. وفي مغرب اليوم، لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها”. انتهى النطق الملكي السامي.
حضرات السيدات والسادة؛
إن الهدف الذي نلتئم من أجله اليوم يستجيب للتعليمات الملكية السامية الرامية إلى تعزيز الحقوق الأساسية للمرأة المغربية وتحقيق مساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات ومشاركتها الكاملة في التنمية وبناء الوطن، وهو يندرج في سياق تتبع وتقييم تنفيذ البروتوكول الترابي للتكفل بالنساء ضحايا العنف، الذي تم التوقيع عليه من طرف كل من رئاسة النيابة العامة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة والمنبثق عن إعلان مراكش 2020 الذي أناط برئاسة النيابة العامة مهمة إعداده وتنسيقه وتفعيله بشراكة مع باقي الأطراف الموقعة عليه.
ولا يخفى عليكم الأهمية البالغة التي يكتسيها الموضوع كونه استهدف وضع آليات لتجويد الخدمات المقدمة للنساء ضحايا العنف وضمان مراعاة خصوصية أوضاعهن واستجابتها لحاجياتهن الضرورية وحاجيات أطفالهن إن وجدوا، مع تعزيز التنسيق والتقائية الخدمات في هذا السياق.
وعليه فإن الأمر لم يعد يقتصر على توفير الحماية للمرأة والاعتراف لها بحقوقها والتكفل بها فحسب، بل أصبح يتطلب ضمان مستوى متميز من الخدمات التي تقدم لفائدة النساء ضحايا العنف وأطفالهن من قبل القائمين على هذه الخدمات بغية تعزيز ولوج المرأة للعدالة ولمختلف الخدمات الصحية والاجتماعية بشكل منسجم وفعال ووفق نسق يروم توحيد الجهود وتكاثفها في سبيل تحقيق انتصاف المرأة ضحية العنف والحيلولة دون تكرار معاناتها اثناء طلبها للخدمات التي يكفلها القانون، والسعي أبعد من ذلك إلى مواكبتها لبناء أفق إيجابي يحقق تمكينها واستقلاليتها وقدرتها على الاندماج في المجتمع والمشاركة الفعلية في التنمية.
ومن هذا المنطلق يهدف البروتوكول الترابي للتكفل بهذه الفئة، بالأساس إلى جعل التكفل بالنساء ضحايا العنف أولوية من أولويات السياسات القطاعية للموقعين عليه في إطار مناهضة العنف ضد النساء ورصد كل الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لتحقيق هذه الغاية.
حضرات السيدات والسادة؛
إن تبني أي مخطط مهما كانت درجة أهميته وسمو أهدافه لا يمكن استكمال مراميه في محيد عن اعتماد آلية للتقييم تعنى بوضع مؤشرات دقيقة لمواكبة وتتبع الأداء المبتغى من وضعه، وقياس مدى رضى المرتفق بالخدمات التي يسعى الى ضمانها وتحقيقها ، وفي هذا الإطار عملت رئاسة النيابة العامة بتنسيق مع شركائها في تفعيل البروتوكول، وبعد مرور سنة من تاريخ التوقيع عليه ، على إعداد استمارة تقييم جودة الخدمات المقدمة لفائدة النساء، سواء من خلال تقييم أداء النيابات العامة بهذا الخصوص أو قياس جودة خدمات المصالح الطبية أو الخدمات المقدمة من طرف مراكز الإيواء المخصصة للنساء والفتيات ضحايا العنف.
وتم التوافق على مضامين هذه الآلية التقييمية إثر تقديمها بحضور كافة الشركاء في لقاء نظم لهذه الغاية.
وإن اجتماعنا اليوم بمدينة مراكش يأتي بعد مرور زهاء نصف سنة من عقد هذا اللقاء التنسيقي الأول لتتبع وتقييم تنفيذ البروتوكول الترابي للتكفل بالنساء ضحايا العنف الذي انعقد يومي 1و2 يونيو 2022 بالرباط، بحضور كل من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة وقضاة النيابة العامة المكلفين بخلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف فضلا عن ممثلي كل القطاعات الأخرى المعنية لاسيما ضباط الشرطة القضائية.
وفي هذا الإطار وجهت رئاسة النيابة العامة دورية للنيابات العامة بمختلف محاكم المملكة بتاريخ 04 غشت 2022 حول تقييم العمل بالبروتوكول مرفقة بجدول تقييمي خاص بالنيابة العامة، يضم 100 سؤال حول مجالات تدخل القضاء في موضوع التكفل بالنساء ضحايا العنف، بغية الوقوف على جودة الخدمات المقدمة للنساء والحرص على سلامة الإجراءات القانونية والقضائية والتذكير بالإجراءات الحمائية الأساسية وبضرورة الحرص على مراعاة خصوصيات المرأة وأوضاعها وعدم المساس بكرامتها الإنسانية.
كما حرصت رئاسة النيابة العامة على التنسيق مع شركاء البروتوكول من أجل تجميع المعطيات التقييمية القطاعية، وشكلت فريق عمل قام بالسهر على تفريغ استمارات التقييم للوقوف على النتائج المستخلصة وقياس مدى تفعيل مقدمي الخدمات لالتزام كل قطاع بتحقيق الأهداف المسطرة من وضع البروتوكول مع استخلاص أوجه القوة وكذا مكامن الضعف التي تتسم بها مختلف الممارسات والتجارب المرصودة، وذلك بغية ترصيد المكتسبات التي تم تحقيقها، وكذا الوقوف على التحديات التي حالت دون تحقيق باقي النتائج المرجوة.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار أنه تم الوقوف على العديد من المكتسبات الجديرة بالإشادة كتعميم وحدات التكفل بالنساء ضحايا العنف ومراعاة للتخصص والتكوين في القائمين على هذه الوحدات، وكذا تحري الموضوعية والتجرد في جميع إجراءات التكفل بهذه الفئة، إلى جانب تفعيل المؤشر المتعلق بالعناية بوضعية الضحية والاهتمام بها بقدر الاهتمام بزجر أفعال العنف المرتكبة ضدها، مع الحرص على سلامة الضحية من خلال الإعمال الفوري لتدابير الحماية، والتشخيص الدقيق للحاجيات الأولية والعاجلة للمرأة الضحية وأطفالها والشروع فورا في تقديم الخدمات المطلوبة من طرفها,
وفي المقابل فان هذه الإنجازات الهامة لم تخل من تسجيل نسب متواضعة في تقديم بعض الخدمات، لأسباب ترجع اما لضعف الإمكانات اللوجستيكية أو قلة الموارد البشرية من جهة أو لأسباب ترتبط بالجانب المعرفي وضعف التوعية بالحقوق المكفولة للنساء ضحايا من جهة ثانية، وبذلك فانه ينبغي تسليط الضوء في هذا اللقاء على تثبيت المكتسبات المستخلصة من هذا التقييم في مقابل العمل على تدارس مكامن الضعف والخلل قصد العمل سويا على تجاوزها ووضع الاليات الكفيلة بتحقيق ممارسات فضلى في هذا الإطار.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
إن المجتمع ينتظر منا الشيء الكثير بشأن هذه القضايا، وإننا عاقدون العزم برئاسة النيابة العامة على تسخير كل الإمكانات المتاحة لجعل هذا البروتوكول آلية فعالة في حماية الحقوق الإنسانية للمرأة وتعميم مبادئه الفضلى على كافة تراب المملكة، كممارسة جيدة لنهج مقاربة تشاركية تتوخى إحداث تغييرات نحو الأفضل في مجتمعنا، معتمدين في هذا السياق على الانخراط اللامشروط الذي لمسناه لدى شركائنا في هذا الورش التنسيقي الهام.
ومن موقع رئاسة النيابة العامة نراهن على توجهنا الدائم لتطوير أداء النيابة العامة في كافة المجالات وأدائها بوجه خاص في قضايا حماية الفئات الهشة وحماية حقوق المرأة، والحرص على تعزيز ولوجها لخدمة قضائية في مستوى تطلعنا، خدمة قضائية تحقق العدالة والإنصاف من جهة ، وتحقيق التكامل مع باقي مسارات التكفل الاجتماعي من جهة أخرى، كما نراهن من أجل رفع هذا التحدي على تعزيز دور النيابة العامة في تنسيق التكفل بالنساء ضحايا العنف تطبيقا للصلاحيات القانونية المسندة لها بمقتضى القانون
13-103 المتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة.
كما تتعهد رئاسة النيابة العامة باستمرار التتبع والتقييم لهذا البروتوكول الترابي للتكفل بالنساء ضحايا العنف باعتباره آلية حقيقية لالتقائية التدخل وضمان نجاعته وفعاليته لفائدة المرأة ضحية العنف.
ونؤكد لكم في الختام أننا سنظل آذاناً صاغية لآراء شركائنا ومقترحاتهم لمعالجة الصعوبات والمعيقات التي تحول دون تحقيق تكفل ناجع بالنساء ضحايا العنف مقتنعون بانخراط الجميع من أجل التفعيل الأمثل لهذا البروتوكول.
ولعل أشغال هذا اللقاء والورشات التشاورية التي سيحتضنها ستكون فرصة سانحة يجب تسخيرها للتوافق حول آليات مبتكرة كفيلة بتنفيذ المؤشرات التي لم يتم تنفيذها أو التي تم تنفيذها بنسب أقل من المنتظر، قصد إنارة الطريق لخطة العمل المستقبلية وجعلها موضوع استمارة التقييم للمرحلة المقبلة بحول الله وقوته.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير وطننا، وجعلنا عند حسن ظن سيدنا المنصور بالله جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعز أمره وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وأقر عينه بولي عهده الجليل مولاي الحسن، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى