كلمة السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة افتتاح السنة القضائية الجديدة (2023) الحمد لله

حضرات السيدات والسادة الفضليات والأفاضل
بناء على الإذن المولوي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، نفتتح السنة القضائية 2023 .. حامدين الله على ما حققته بلادنا من إنجازات في مختلف الميادين، ومن بينها ما يتعلق بأداء القضاء. الذي استطاع، مرة أخرى، أن يثبت انخراطه الجاد في الإصلاحات التي يقودها جلالة الملك في مجال العدالة.
فقد واصل قضاة المملكة خلال السنة المنصرمة (2022) وفاءهم بالتزاماتهم الدستورية، وبذلوا جهوداً جبارة للبت في قضايا المواطنين وغيرهم من المتقاضين، بمزيد من الحرص. حيث تمكن قضاة محاكم الموضوع من البت في 4.356.970 قضية، أي بزيادة تقدر بـ 498.924 حكماً زائداً عن الأحكام الصادرة سنة 2021. وهو ما يمثل نسبة زيادة في الأحكام قدرها 13%. وقد بلغت نسْبة الأحكام الصادرة من مجموع القضايا المسجلة خلال السنة 99,54 %.
وإذا كانت المحاكم قد بتت في هذا العدد الهام من القضايا خلال السنة، فإن ازدياد المسجل بها من 3.857.389 قضية سنة 2021 إلى 4.377.033 بنسبة 13,47 % في سنة 2022، قد أدى إلى زيادة المخلف بحوالي 20.063 قضية عن سنة 2021، أي بزيادة بلغت نسبتها 2,8 %.
وعلى العموم، فإن مجموع القضايا التي راجت أمام محاكم الموضوع خلال سنة 2022 قد ناهز 5.094.712 قضية. وهو ما يفيد أن نسبة الارتفاع عن السنة الأسبق قد بلغت 483.476 قضية، أي بنسبة 10,48 % .
والجدير بالذكر أن المحاكم قد حققت هذا الإنجاز رغم بعض الصعوبات التي تعترضها، ولاسيما في مجال تبليغ الاستدعاءات وتجهيز الملفات. والتي أضيف إليها خلال هذه السنة بعض الارتباك الذي شهدته جلسات المحاكم بسبب المقاطعة التي أعلنت عنها بعض هيئات الدفاع خلال شهر نونبر الماضي، والتي أدت إلى تأخير أكثر من 41.000 قضية لكفالة توفر حق الدفاع، فضلاً عن تعثر الإجراءات القضائية الأخرى.
وإذا كان القضاة قد بذلوا كل هذه الجهود للبت في القضايا في آجال معقولة، فإن ذلك لم يحل دون اهتمامهم بجودة أحكامهم وقراراتهم، التي تتحسن باستمرار بفضل وعي القضاة بواجباتهم وتحملهم لمسؤولية العناية بدراسة القضايا المعروضة عليهم، تنفيذاً لاستراتيجية المجلس في هذا الباب. غير أن الواقع لا يرتفع، لأن ارتفاع وثيرة القضايا بهذا الحجم يتجاوز قدرات القضاة، ولذلك فإن الموضوع يتطلب إيجاد الحلول المناسبة.
فإذا كان مطلب الزيادة في عدد القضاة مطلب آني وأكيد، تقتضيه الإحصائيات المشار إليها، ولاسيما حصة كل قاض من القضاة المكلفين بإصدار الأحكام والتي ناهزت 1700 قضية لكل قاض، أي بمعدل حوالي 7 أحكام في كل يوم عمل (250 يوم). ونحن هنا نتحدث فقط عن الأحكام النهائية دون التمهيدية، ولا باقي المقررات والإجراءات الأخرى التي يتخذها القضاة، فإن ظروفاً أخرى تجعل هذا المطلب أكثر إلحاحاً، وفي مقدمتها اعتزام افتتاح 14 محكمة جديدة، بعضها أصبح جاهزاً . بالإضافة إلى الحاجة إلى تفعيل حوالي 23 مركزاً للقاضي المقيم من بينها 15 مركزاً قضائيا تَمّ إحداثها مؤخراً. وذلك بالإضافة إلى ضرورة تعويض القضاة الذين يحذفون من الأسلاك بسبب انتهاء مدة خدمتهم أو لأسباب أخرى (أكثر من 100 قاض كل سنة). فضلاً عن تدارك الخصاص الذي تعاني منه المحاكم حالياً، ومواكبة ارتفاع عدد القضايا الرائجة بالمحاكم، الذي يوازي زيادة حوالي 10 % كل سنة.
وإذا كان المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتنسيق جيد مع السلطة الحكومية المكلفة بالعدل والمعهد العالي للقضاء يسعى حالياً إلى تدارك النقص في عدد القضاة حيث ينتظر أن تتخرج من المعهد خلال السنوات الثلاث المقبلة ثلاثة أفواج من الملحقين القضائيين. فإنه يجدر بالتذكير أن الوضع الراهن الذي ينتظر أن يستمر خلال سنتي 2023 و2024 والذي يتسم بارتفاع عدد النزاعات المعروضة على المحاكم والنقص العددي للقضاة، لا يخدم فعالية العدالة، التي تتطلب إصدار أحكام عادلة وفي أجل معقول. وهما مهمتان تصبِحان من الصعوبة بمكان إذا لم يكن عدد الأطر القضائية متلائما مع عدد الملفات المعروضة على القضاء. لأن تحقيق تلك الغايات يقتضي توفير الوقت اللازم لدراسة كل قضية، لتحظى بالعناية الكاملة وتنال نصيبها من الأهمية في البحث والدرس. في حين أن جودة الأحكام تتأثر بكثرة عدد القضايا وبالضغط الكمي للملفات.
والملاحظ كذلك أن محاكم المملكة تعج بقضايا كان يمكن الفصل فيها خارج النظام القضائي عن طريق الوسائل البديلة، ولاسيما القضايا غير النزاعية مثل إثبات الحال أو توجيه الإنذار والمعاينات وما في حكم ذلك. كما أن بعض النزاعات البسيطة، يمكن حلّها خارج المحاكم، سواء في المادة الزجرية أو المدنية عن طريق وضع آليات تحكيمية وعدالة تصالحية محفزة للأطراف. ولذلك ننتهز هذه الفرصة لنُعبِّر عن الأمل في الإسراع بإقرار المقتضيات القانونية المتعلقة بهذه المواضيع وبمواضيع أخرى كبدائل الاعتقال الاحتياطي وبدائل العقوبات السالبة للحرية، التي تنظمها مشاريع بعض القوانين كقانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية والقانون الجنائي. وهي مشاريع مدرجة ضمن ميثاق إصلاح منظومة العدالة.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
إن اكتظاظ المحاكم بالقضايا لا يقتصر على محاكم الموضوع، ذلك أن محكمة النقض تعاني كذلك، منه بشدة. وأن وضعيتها أصبحت خانقة،
ولا تساير المصالح التي يستهدفها قضاء النقض، المتمثلة في توحيد الاجتهاد وتأطير العمل القضائي بالمحاكم بما يحقق الأمن القضائي.
وهكذا فقد سجلت محكمة النقض خلال سنة 2022 المنصرمة 52.676 قضية جديدة، بزيادة ناهزت
7,68 % عن سنة 2021 (48.919 قضية)، أي بزيادة 3.757 قضية. وبإضافة القضايا المخلفة عن السنوات السابقة والتي بلغ عددها 45.644 قضية، فإن عدد القضايا الرائجة بمحكمة النقض خلال السنة المنصرمة ناهز 98.320 قضية، أي بزيادة نِسْبتها 8,25 % عن سنة 2021 (7497 ملفاً). وهو ما يرفع نصيب كل قاض من قضاة المحكمة لأكثر من 550 ملف، أي أكثر من ضعف العدد الأقصى للأحكام التي استطاع قضاة النقض الحكم فيها، والذي ناهز معدل 230 قراراً لكل مستشار. وهو عدد ضخم جداً بالنسبة لقضاة النقض كما تلاحظون.
ورغم الجهود العظيمة التي بذلها قضاة النقض، والتي أدت إلى إصدار ما مجموعه 48.423 قراراً، بزيادة 6,88 % عن سنة 2021 . وهو ما يمثل حوالي 92 % من المسجل، غير أنه لا يمثل سوى أقل من 50 % من مجموع القضايا الرائجة بالمحكمة.
والواقع أن جهود قضاة محكمة النقض قد بلغت مداها خلال هذه السنة، حيث كان معدل الإنتاج السنوي لكل مستشار في حدود 230 قراراً، أي بمعدل 5 قرارات أسبوعياً لكل مستشار. كما أن هذا الإنتاج الفردي تراوح في غرف محكمة النقض بين 100 و758 قرار في السنة. وقد ناهز متوسط القرارات السنوية التي حررها كل مستشار من المستشارين 400 قراراً بالنسبة للغرفة الجنائية و320 بالنسبة للغرفة الإدارية، و207 بالنسبة للغرفة الاجتماعية، و168 بالنسبة للغرفة المدنية و160 بالنسبة للغرفة التجارية و131 بالنسبة لغرفة الأحوال الشخصية. وكما تلاحظون فإنها أرقام تنوء بحملها الجبَال.
حضرات السيدات والسادة؛
إن هذه الأرقام تكاد تنطق بنفسها لتذكر أن تحقيق الأمن القضائي من جهة، والحفاظ لمحكمة النقض على موقعها كضابط لوحدة الاجتهاد القضائي من جهة أخرى، يُعْتَبرُ قضية مصيرية، تدعو المشرع للتفكير في وضع محدداتٍ أكثر دقة للطعن بالنقض، الذي يجعل من محكمة النقض محكمة قانون، وليست درجة ثالثة للتقاضي .. وأنها لكي تضطلع بمهمتها تلك، يتعين أن يتم التحكم في أعداد الطعون التي تصلها، لكي يتمكن قضاتها من التوفر على الحيز الزمني الضروري لدراسة القضايا المعروضة عليهم. ونعتقد أن المرحلة تقتضي أن يتدخل القانون لتحقيق هذه الغاية بالوسائل التي يراها ملائمة، ونجدد بعض اقتراحاتنا التي تم تقديمها في مناسبات سابقة. وفي مقدمتها : تخليص المحكمة من الطعون بالنقض المتعلقة بقضايا بسيطة القيمة. وجعل الكفالة المنصوص عليها في المادة 530 من قانون المسطرة الجنائية إجبارية مع الرفع من مبلغها لمنع الطعون التعسفية، مع استثناء المعوزين من أدائها. كما نقترح دعم تخصص قضاة النيابة العامة وأعضاء الدفاع في قضايا النقض عن طريق تكوين مخصص لهذه الغاية. وجعل أجل الطعن بالنقض بالنسبة للنيابة العامة يبدأ من تاريخ وضع الحكم رهن إشارتها، لأن مذكرة وسائل الطعن تستهدف وثيقة القرار، وليس نتيجته، مما يستدعي اتخاذ قرار الطعن بعد الاطلاع على حيثيات الحكم.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
لئن كانت محكمة النقض تسعى جاهدة للبت في القضايا في أجل معقول، بحيث إن 68 % من القضايا المخلفة بها سُجِّلَت خلال سنة 2022. و25 % من القضايا ترجع لسنة 2021. أي أن 93 % من القضايا التي تنتظر الحكم يقل أمدها عن سنتين. في حين أن
6 % فقط من القضايا ترجع لسنة 2020 و1 % لما قبلها. فإن المحكمة قد أصدرت خلال السنة، قرارات مرجعية تُعتبر من قبيل الاجتهاد القضائي. يمكن أن نشير من بينها إلى المبادئ التالية :
1- اعتبرت محكمة النقض بغرفها مجتمعة أن “إيراد تعليل ينطوي على تجاوز لمقتضيات قانونية صريحة،
أو خرق صارخ لقاعدة قانونية واضحة لا تقبل إلاَّ تأويلاً واحداً”، بمثابة حالة عدم التعليل الموجبة لإعادة النظر في قراراتها. وبذلك فقد رجحت المحكمة مبادئ وقيم العدالة على مبدأ تحصين القرارات النهائية من الطعن، واعتبرت موجبات العدالة أولى بالاعتبار من مبدأ استقرار المراكز القانونية، وأنه لا حَصَانة إلاَّ للقرارات العادلة المسايرة للقانون والعمل القضائي المتواثر. (القرار رقم 253/12 بتاريخ 8 مارس 2022 ملف إعادة النظر عدد 11954/6/12/2018(.
كما اعتبرت المحكمة في ذات القرار “أن الطعن بإعادة النظر من وضد نفس الأطراف والقرار لا يجوز
إلاَّ مرة واحدة”.
2- ومن قرارات الغرفة المدنية لمحكمة النقض خلال السنة، قضاؤها بِكون “الوصية للمتعدد بحسب نسبة محددة لكل واحد منهم، تنقلب ميراثاً بعد اليأس من وجود أحد الموصى لهم” (القرار رقم 417/1 بتاريخ 31/5/2022 في الملف المدني عدد3205/1/1/2022).
3- وفي قرار آخر اعتبرت الغرفة المدنية “أن المادة 64 من مدونة الحقوق العينية لما نصت على التعويض عن حق الارتفاق “تعويضا مناسبا”، فإنها لم تقيده بوصف معين، وبالتالي ليس لزاماً أن يكون تعويضاً نقدياً، بل يمكن أن يكون عينياً، إذا كان في ذلك أقل الضرر للعقار المرتفق به”. ورأت الغرفة أنه كان على محكمة الموضوع أن تبحث فيما اقترحه الطالب من معاوضة الجزء المطلوب للارتفاق، بجزء من أرض الطرف المطلوب في النقض على الشريط الحدودي بينهما، وأنها لما لم تفعل فإن قرارها كان ناقص التعليل ومعرضاً للنقض. (القرار رقم 860/1 بتاريخ 13/12/2022 في الملف عدد 9532/1/1/2019).
4- وقضت غرفة الأحوال الشخصية أن محكمة الموضوع “لما قضت بعدم قبول طلب الطاعنين بعلة أن أجل سماع دعوى الزوجية يجب أن يتم قبل 5 فبراير 2019 (وهو أجل انتهاء العمل بالترخيص القانوني المؤقت بإقامة دعاوى ثبوت الزوجية الذي كانت تنص عليه المادة 16 من مدونة الأسرة)، وأن تقديمها الدعوى بتاريخ 14-08-2021 (أي خارج فترة سريان المادة 16)، والحال أن الزواج المدعى به يعود لسنة 2007، أي في الزمن الذي كانت فيه المادة 16 ماتزال سارية المفعول (انتهت في 5/2/2019)، تكون قد خرقت المادة المذكورة”. وأضافت الغرفة في نفس القرار : “وأنه حتى على فرض انتهاء الفترة الانتقالية، ودونما وجود نص يحدد تاريخ سماع دعوى الزوجية، فإنه يُرْجَع حينئذ للنظر فيها، طبقاً للمادة 400 من مدونة الأسرة، إلى المذهب المالكي والاجتهاد القضائي الذي يراعَى فيه تحقيق العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”. (القرار رقم 358/1 بتاريخ 21/06/2022 (الملف الشرعي عدد 372/2/1/2022).
والغرفة بقرارها هذا قد أعطت مصداقية لمئات الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع بتطبيق المادة 400 من مدونة الأسرة بالنسبة للزيجات التي عقدت دون توثيق بعد انتهاء العمل بالمادة 16 من المدونة. وأكيد أن العديد منها نتج عنها أبناء.
5- ومن جهتها قضت الغرفة التجارية لمحكمة النقض “أن امتناع مسير شركة من الشركات المنصوص في القانون رقم 96-05، عن تمكين أحد الشركاء من الوثائق المنصوص في المادة 70 من القانون المذكور ، يشكل خطأً موجباً للمسؤولية” (القرار رقم 93/1 بتاريخ 17/2/2022 في الملف التجاري عدد 272/3/1/2021).
6- واعتبرت نفس الغرفة أن “المحكمة ملزمة بالتقيد بالشروط الواردة باتفاقية التحكيم، ومنها تحديد التعويض المتفق عليه بين الأطراف، وأن تجاوز المحكَّمِين له، فيه خرق للمادة الثالثة من اتفاقية نيويورك لسنة 1958” (القرار رقم 159/1 بتاريخ 30/3/2022 في الملف رقم 356/3/1/2022).
7- وفي قرار آخر اعتبرت الغرفة التجارية كذلك “أن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين هي قاعدة من النظام العام الوطني والدولي، وأن لها استثناءات تتمثل في الصورية والوضع الظاهر والانضمام الضمني للعقد. وأنه في هذه الحالات يمكن اعتبار الشخص طرفاً في العقد حتى وإن لم يكن موقِّعاً عليه، وبالتالي تمديد شرط التحكيم إليه” (قرار رقم 615/1 بتاريخ 03 أكتوبر 2022، ملف تجاري عدد 377/3/1/2015).
8- ومن قرارات الغرفة الإدارية، قضاؤها : “أن القرارات ذات الطابع السياسي والديبلوماسي الصادرة عن الحكومة المغربية في إطار العلاقات الخارجية، لا تُعتَبَر قرارات صادرة عن سلطة إدارية، وإنما من الأعمال السيادية التي لا تندرج ضمن الأعمال الإدارية القابلة للطعن بالإلغاء، ولا رقابة عليها من طرف القضاء الإداري”. وقد بينت الغرفة في نفس القرار أن “القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء هو العمل القانوني الانفرادي الصادر عن الإدارة بصفتها سلطة إدارية، والمؤثِّر في المراكز القانونية للمخاطَب به”. (القرار رقم 783/1 بتاريخ 23/6/2022 في الملف عدد 4147/4/1/2022).
9- وفي مجال تطبيق قانون الطوارئ الصحية قضت الغرفة الإدارية أن فرض جواز التلقيح للتنقل بين الأماكن وولوج الإدارات والمؤسسات وبعض المجالات “هو إجراء يندرج ضمن التقييدات المؤقتة والعاجلة للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض حماية لحياة الأشخاص وضماناً لسلامتهم، ويرجع تقديرها إلى الحكومة … ولا يشكل انتهاكاً للحقوق والحريات” (القرار رقم 785/1 بتاريخ 23/6/2022 في الملف الإداري عدد 5710/4/1/2021).
10- وفي قرار آخر في نفس السياق، اعتبرت نفس الغرفة، أن القرارات الصادرة عن الحكومة بشأن الحماية من انتشار جائحة كوفيد (سواء منع التنقل أو ارتداء الكمامة أو توقيف بعض الأنشطة الصناعية أو التجارية، وغيرها.. “هي تدابير صادرة في نطاق ما تنص عليه المادة 3 من المرسوم بقانون رقم 2-20-292 باعتباره نصاً تشريعياً، خوَّل الحكومة إصدار مثل هذه القرارات والتدابير، دون أن يلزمها بوجوب نشرها بطريقة محددة أو في الجريدة الرسمية .. وهو ما يعني أنه لا يمكن وصف قرار رئيس الحكومة الضمني برفض نشرها في الجريدة الرسمية بعدم المشروعية، ولا ينطوي على أي انحراف في استعمال السلطة لغياب أي تجلٍ من تجليات الانحراف” (القرار رقم 911 بتاريخ 21/7/2022 في الملف الإداري عدد 1003/4/1/2022).
11- ومن جهتها قضت الغرفة الاجتماعية بأن ممارسة العنف من قبل مدرِّسٍ على تلميذ يُعتبر خرقاً لاتفاقية حقوق الطفل، “ويشكل خطأ جسيماً بمفهوم المادة 39 من مدونة الشغل”. ونقضت قرار محكمة الموضوع التي اعتبرت الخطأ الجسيم غيرُ ثابت “رغم أن البيِّن من وثائق الملف أن الطالبة أدلت بتقرير المسؤولة الإدارية حول حالة ضرب التلميذ، وشكاية ولي أمر التلميذ، والشهادة الطبية”. (القرار رقم 1289-1 بتاريخ 2/11/2022 في الملف عدد 1980/5/1/2022).
12- وقضت الغرفة الجنائية في تفسير المادة 143 من القانون عدد 15-36 المتعلق بالماء، متجاوزة “عدم قيام وكالة الحوض المائي بتضمين محضر معاينة المخالفة، تقديرَ مبلغ الأشغال”. ورأت الغرفة أن ذلك “ليس شرطاً لازماً للمتابعة، مادام أن المحكمة بإمكانها تقدير قيمة الأشغال المذكورة عن طريق الأبحاث والتحقيقات المناسبة”. وقصدت الغرفة بذلك حماية الثروة المائية من الاستغلال العشوائي للماء عن طريق التأكيد على احترام الإجراءات الإدارية والقانونية عند حفر الآبار. (قرار رقم 1055/6 بتاريخ 6/4/2022 في الملف الجنائي عدد 21370/6/6/2022).
13- وفي سياق آخر قضت نفس الغرفة “إن عرض الدعوى على محكمة محايدة يعتبر ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة، وحق من حقوق الدفاع، التي يتمتع بها الجميع”. وقضت بسبب ذلك بإحالة القضية على محكمة أخرى غير التي يعمل بها المطالب بالحق المدني كقاضي، “لاحتمال عدم تقيُّد هذه المحكمة بمبادئ الحياد والاستقلال”. (القرار رقم 635/1 بتاريخ 13/04/2022 في الملف الجنائي عدد 6356/6/1/2022).
حضرات السيدات والسادة؛
تميزت السنة الماضية بإعلان المجلس الأعلى للسلطة القضائية عن استراتيجيته المرحلية، التي استهدفت سبعة توجهات رئيسية، تهُمُّ تعْزيز القدرات المؤسسية للمجلس لتمكِينه من تنفيذ استراتيجيته والنهوض بمهامه الدستورية. كما تستهدف تعزيز استقلال السلطة القضائية ومساهمة المجلس في الارتقاء بفعالية منظومة العدالة، وتقوية التواصل، وتخليق القضاء وتعزيز منسوب الثقة فيه، وتحسين التعاون والشراكات.
وقد تضمنت الاستراتيجية 21 محوراً، ترتكز إلى 45 ورشاً. وتنقسم هذه الأوراش إلى 163 إجراء، اعتبَر المجلس تنفيذها يحظى بالأولوية خلال الفترة المتراوحة بين 2021 و2026. وقد شرع في تنفيذها منذ وضعها. وسوف يتم الإعلان في الوقت المناسب عن حصيلة الجهود المبذولة في هذا الصدد.
وقد تميَّزت السنة الماضية بجودة التنسيق في مجال الإدارة القضائية، الذي نتج عنه نقل تنفيذ المقررات المالية والإدارية المتعلقة بالقضاة من وزارة العدل إلى المجلس، والذي أصبح ساري المفعول ابتداء من فاتح ينَاير من هذه السنة. كما أثمر هذا التنسيق على بلورة مشاريع قوانين تدعم استقلال السلطة القضائية، وتوفر نجاعة تدبير الوضعيات المهنية للقضاة. ولاسيما مشروع تعديل القانون التنظيمي للمجلس، ومشروع تعديل القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة، ومشروع القانون المتعلق بالمعهد العالي للقضاء. وهي مناسَبَة سانحة للتقدم بالشكر الجزيل للحكومة ولغرفتي البرلمان، لدعمهم لكل المبادرات الرامية إلى تكريس وتعزيز استقلال القضاء. كما أن الشكر واجب للسيد وزير العدل وأطر الوزارة لأجل جودة التعاون ونجاعة أداء الهيأة المشتركة للتنسيق في مجال الإدارة القضائية، وكذلك للسيد الأمين العام للحكومة وأطر الأمانة ولوزارة الاقتصاد والمالية والخزينة العامة للمملكة لمساهمتهم في بلورة هذه المبادرات التشريعية والتنظيمية وتنفيذها.
ومن جهة أخرى، فقد واصل المجلس تدبير الوضعيات المهنية للقضاة. وهكذا فبالإضافة إلى البت في تعيين 150 قاضياً جديداً، قرر المجلس ترقية 632 قاضياً وتكليف 13 قاضياً آخرين لدرجات أعلى. كما رقَّى 1664 قاضياً إلى رتبة أعلى في درجاتهم.
وبت المجلس كذلك في 85 منصباً للمسؤولية القضائية. وعيَّن 137 نائباً للمسؤولين القضائيين. كما عين 907 من القضاة لمهام قضائية مختلفة، أو لرئاسة أو عضوية لجان. كما أعفى 35 قاضياً من بعض المهام.
وبت المجلس كذلك في 425 انتقالا للقضاة. كما قرر تحديد المناصب لـ 602 من القضاة على إثر ترقياتهم. بالإضافة إلى البت في 37 طلباً لإلحاق قضاة أو وضعهم رهن إشارة مؤسسات وإدارات مختلفة من بينهم 7 قضاة، ألحقوا بسفارات وقنصليات المملكة ببعض الدول. وقرر المجلس كذلك إنهاء إلحاق أو الوضع رهن الإشارة بالنسبة لـ 26 قاضياً.
وفي المادة التأديبية اتخذ المجلس قرارات بشأن 168 تقريراً أنجزته المفتشية العامة للشؤون القضائية، قرر بشأن 86 حالة من بينها تعيين مقرر، وبالنسبة
لـ 17 حالة أخرى تقدير الثروة. كما اتخذ المجلس قرارات بحفظ 65 تقريراً للمفتشية العامة.
وبالإضافة إلى ذلك بتَّ المجلس في 53 تقريراً للمقررين، قرر على إثرها إحالة 42 قاضياً إلى المجلس التأديبي وحفظ قضايا 11 قاضياً، بالإضافة إلى إجراء أبحاث تكميلية بالنسبة لخمس حالات أخرى.
كما أصدر المجلس 33 مقرراً تأديبياً بإدانة 25 قاضياً من أجل إخلالات مهنية أو بالشرف والوقار والكرامة. بالإضافة إلى تبرئة 8 قضاة مما نسب إليهم. وقد تراوحت العقوبات الصادرة عن المجلس بين العزل بالنسبة لقاضيين، والإحالة إلى التقاعد الحتمي لثلاثة قضاة، والإقصاء المؤقت عن العمل بالنسبة لـ 8 قضاة. بالإضافة إلى 12 عقوبة من الدرجة الأولى.
وفي سياق متصل قرر المجلس إعادة الاعتبار لستة قضاة.
ومن جهة أخرى قرر المجلس تمديد سن التقاعد بالنسبة لـ 282 قاضياً، وإحالة 87 قاضياً إلى التقاعد. وبإضافة الحالات الأخرى للحذف من الأسلاك، فإن عدد القضاة الذين تم حذفهم من السلك القضائي خلال سنة 2022 ناهز 108 قاضياً، من بينهم 6 انتقلوا إلى عفو الله، وندعو لهم بالرحمة والمغفرة، ونرجو الله أن يلهم أهلهم وزملاءهم الصبر والسلوان.
وفي إطار الانفتاح على المحيط والمساهمة في الأنشطة العامة، منح الرئيس المنتدب للمجلس في إطار الاختصاصات المخولة له بمقتضى القانون، تراخيص
لـ 572 قاضياً للمشاركة في أنشطة علمية مختلفة، من بينهم 102 للتدريس بالمعهد العالي للقضاء و49 للتدريس بـ 18 مؤسسة جامعية عبر ربوع الوطن.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
في مثل هذه المناسبة، منذ سنة خلت، أعلن المجلس عن إطلاق العمل بمنصة رقمية لنشر الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض. وتعهد بمواصلة العمل في هذا الاتجاه، لدعم الأمن القضائي. ويسرنا اليوم أن نعلن أن عدد القرارات المنشورة قد انتقل من 7000 قرار عند انطلاق العمل بهذه المنصة، إلى أكثر من 12043 قراراً. أي بزيادة خَمسة آلاف قرار. وفضلاً عن ذلك فقد واصلت محكمة النقض طبع بعض قراراتها ورقياً بالنسبة لمن يفضلون الاشتغال على الكتاب الورقي. وسيستمر المجلس بتنسيق مع محكمة النقض، في نشر أهم القرارات القضائية الصادرة عن هذه المحكمة. بالإضافة إلى شروعه منذ فترة في نشر قرارات بعض محاكم الاستئناف، ولاسيما في المادة التجارية، في أفق تعميمها لتشمل أهم القرارات الصادرة في باقي المواد.
وهي مناسبة لتقديم الشكر لكافة الرؤساء والمستشارين بمحكمة النقض ورؤساء وقضاة محاكم الموضوع وأطر المجلس الذين يعملون على تبويب وتقعيد القرارات وإعدادها للنّشر.
كما أنها مناسبة مواتية لتقديم الشكر والامتنان لكافة قضاة المملكة السعيدة سواء قضاة الحكم أو قضاة النيابة العامة لأجل ما يقومون به من عمل جاد ومثمر، راجياً أن يستمروا في التمسك بإخلاصهم للمبادئ السامية التي أقسموا اليمين على الوفاء بها، حتى نكون جميعاً في مستوى الأمانة التي قَلَّدَنَا إياها جلالة الملك، وعند حسن ظن المواطنين وعموم المتقاضين.
كما لا يفوتني أن أتقدم بالشكر لكافة موظفي المحاكم وأطرها، وإلى مختلف المنتمين لمهن العدالة ومساعدي القضاء، وإلى رؤساء المؤسسات الشريكة وأعضائها، لما بذلوهُ، وما يبذلونه من جهد لدعم التنسيق والتعاون في مجالات العدالة، والمجالات ذات الصلة بها.
والشكر واجب كذلك للسيدات والسادة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية على انخراطهم المتميز في برامج تخليق القضاء، وجهودهم المتواصلة في أداء مهامهم الجسيمة. وكذلك إلى السيد الأمين العام، والسيد المفتش العام للشؤون القضائية، والسيدات والسادة رؤساء الأقطاب وباقي المسؤولين الإداريين بالمجلس، والقضاة والأطر والموظفين العاملين به، لما يقدمونه من خدمات جليلة للجسم القضائي، وما يبذلونه من عناية لتطوير أداء المجلس.
والشكر مستحق كذلك للسيد وزير العدل وأطر الوزارة لما بذلوه ويبذلونه من جهد لتوفير حاجيات المحاكم وتذليل الصعوبات المهنية، وكذلك لما يبذله السيد الوزير من جهد في اتخاذ المبادرات التشريعية وفي تجديد بنايات المحاكم وكذلك من أجل مشاريع الرقمنة التي تعمل الوزارة على تطويرها.
والشكر واجب بلا شك للسيد الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، ولمساعديه من قضاة وأطر الرئاسة لأجل الشراكة المهنية التي تحافظ على وحدة الجسم القضائي في إطار احترام الاختصاصات، وكذلك لأجل العمل المتميز الذي تقوم به مصالح النيابة العامة للرفع من نجاعة القضاء.
والشكر لكم حضرات السيدات والسادة، الذين شرفتم هذه الجلسة الرسمية بحضوركم، وأتحتم للقضاة أن ينعموا بالتواصل معكم والإحساس بدعمكم ومساندتكم للعدالة، لِما تمثلونه جميعاً من تعدد الانتماءات، وزخم الكفاءات.
وأختم هذه الكلمة متوجها لكافة قضاة المملكة بما عبر عنه جلالة الملك في خطاب 20 غشت 2009، حيث قال جلالته : “وإننا نعتبر القضاء عماداً لما نحرص عليه من مساواة المواطنين أمام القانون، وملاذاً للإنصاف، الموطِّد للاستقرار الاجتماعي، بل إن قوة شرعية الدولة نفسها، وحرمة مؤسساتها مِنْ قوة العدل، الذي هو أساس الملك”. واعتبر حفظه الله أن “توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصناً منيعاً لدولة الحق وعماداً للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزاً للتنمية”. هو الهدف المنشود لإصلاح القضاء ومنظومة العدالة. ولذلك أدعو قضاة المملكة لاستيعاب المغزى العميق لهذه الدرر السامية، ومواصلة العمل لإدراك الهدف المنشود.
والسلام عليكم ورحمة الله.