لم يسجنوا ذاكرتي: هكذا يقضي الصحفي المعتقل محمد القاسمي ايامه في زنزانته الانفرادية

MA24TV_ هاجر القاسمي

في زنزانتة الإنفرادية ، لو تفقدتموه لوجدتموه غارقاً في القراءة مشغولاً بالكتابه؛ يسبح وسط الكتب والمجلدات ، غطى بها زوايا الجدران والعتبات، قد تتساءلون عن سر صمته ولماذا لم يقم بأي ردة فعل ، سأجيبكم نيابةً عنه : إنه في نعمة يفتقدونها الأحرار ..يتناول كمًا كثيرا من الكتب ويقول لنا هل من مزيد ، على خلاف غيره لا يخوض إضراباتٍ ولايتقدم بشكاياتٍ ولا يدخل في مشاحنات ، إختار ما يراه صوابا لـه ، وفي نظرنا فعل الصـواب وأراح وإسـتـراح .

إنه إن كان من شـئ نشـكـر عليه المؤسـسة السجنية ، أنها ساعدتنا على تنفيد حق من حقوقه الكونية في شقها الثقافي وهو { الحق في القراءة} ، ومن تم تحويل مكتبة الأسرة من الزاوية القديمة إلى زنزانته البئيسة.

فمنذ اللحظة الأولى التي نطق فيها بالحكم عليه بثـلاثـة سنـوات قـاسيةٍ ظـالمـةٍ لم يعلق وبدا هادئاً وبـنظرةٍ لا يظهرُ على صاحبها الضعفُ والهوان.. قال : {حكمت بثلاثة سنوات من القراءة و إعادة ترتيب الأوراق من جديد ، أرادوها لي عزلةً قاسية فأرادها القدر لي خطوة كافية للقيام بما كنت أتمنى القيام به حراً طليقاً ؛ لكني لم أستطيع ، وهاهو قد آنا الأوان …}.

صدق قولاً وفعلاً ، كل شهر يطالبنا بعشرات المجلدات والموسوعات المختلفة في كل المجالات منها ما هو موجود ومنها ما نقتنِيه له، إن كان من تعبٍ جميلٍ فقد أتعبنا بالبحث في المكتبات وأرهقنا بتوصية الکُتُبيين على تلك النوادر التي يريد؛ مافهمته من تلك العناوين المختارة بعلم وإصرار وترصُد أن شقيقي بين المقدس والدنيوي وثلاثية الله والكون والانسان عاكف بجد على هواياته القديمة لطرح تساؤلاته الوجودية العميقة ، تلك التي يقول لنا عنها في السابق أنها بالنسة إليه عالقة وبدون جواب .
نتـمنى لمُتَمَرِدِنَا أن يجدَ ضالتهُ ويُنهي بذلك قلقه وحيرته .

إن شقيقي ناسيا تُهـمتَه ُ ومتناسياً ما فعلوه به … يُفضل حكمة الصمت أمام الهياط والمياط.. قد أوقف عبثية الزمن لصالحه بذكاء غير مُكثرت بالآخر ممن دبّ ودرج حاقداً كان أم غبياً ، ملتمساً عذر الجهل لتلك الفئة المعروفة بالثقافة الشعبية ” لتابعي جِلاَلة بالنافخ “؛ أو لصغار الذين يجتمعون على النار ليلة عاشوراء ولا يدركون القاتل من المقتول فيها ، لا يفرقون بين الحسن والحسين ، المهم بالنسة إليهم هي تلك شعلة النار المشتعلة لا غير ، من الناس فئة معذورة لأنها مجردة من النقد والتمييز ، تربت على الإيمان بوجود ” بُعُوو .. وبُوحنشة … وعيشة قنديشة …” ؛ وللأسف هذه الفئة بدأت معها الأغلبية ، في الواقع وتحتفظ بأغلبيتها في عالم الصوت والصورة .

إسمحولي : القاسـمي مـحمـد مختلف ، يأبى الشبه والتكرار ، ليس إدعاءاً لأنه شقيقي بل لأنه بقيَ واقفاً صامداً صلباً ذو أنفةٍ وشهامة ؛ وكبرياءٍ وكرامة ، تاركاً للأيام وحدها حق الرّدِ والإجابة ، كيف لا وهو إبن عائلة العلم والعلماء ، و تاريخهم ذو أصول لا يُعرضُ المزايدات الرخيصة، ولا يطالب بالمكافأت الزهيدة …. إنه شخص متصالح مع ذاته فريداً في منطقه وتصوراته ، من يعرف مـحمـد القاسـمي عن قرب يعرف إنسانياته وشاعرياته وهما سر قوته وضعفه وسأشارككم كلمات تنم عن وعيٍ وطنيٍ وحس عاطفيٍ تخترق الزمان والمكان لنعيش لحظة جمالية رسامها محبوس بين زنزانة إنفرادية .

وسأنقل لكم آخر ما قال لي بالحرف : { السجن يعرفنا ونعرفه ، لا يحط من كرامتنا ولا ينال من معناويتنا في شئ، طالما كان محطة ضروريةً للكبار ، بحكم التجربة وما أثبته الزمان ، أقرأ ما فاتني وأكتب يومياتي بما أخطأت فيه وأصبت؛ إنها جلسة مع الذات بعيدا عن ضجيج الحياة ، لست وحدي في الزنزانة معي الألاف من الكُتَّابِ والمبدعين في التاريخ والفلسفة والدين ؛ معي الألاف الأحياء والموتى أتحدث إليهم في كل وقت وحين ، أراكم بحب واقعي لا أطلب ولا أناجي ، مشغول حتى على مظلوميتي لا أنتظر إنصافا من الآخر ..

إن كان من إنصافٍ فستنصفني الأيام ، فأما بالنسبة إلي فقد أنصفتني عندما أعطتني فرصة الجلوس مع نفسي ، الذي زاد إعتزازي بها وأنا وحدي بين أربعة جدران ، ولحظي السيئ لم يسجنوا ذاكرتي ، بقيت حرة تسافر إلى عوالم لا تنتهي تجول وتصول عبر الزمن حاملة شتاتا بين الماضي الجميل والمستقبل المشرق القريب …. لا أريد منك أخباراً إلا أخبار أُمــي ، المهم بالنسبة إلي ثم الأهم .. ثم الأهم … ثم الأهم أن تكون أمي بخير .. وإن كان من معروف تُسديه إليّ أن تعتني بأمي ، لا حاجة لي ولا رغبة لي إلا بمعانقة أمي “. ( إنتهى كلامه).

أبشركم أن صاحب الخلق الرفيع والأسلوب البديع ، الرقيق الأنيق.. زاده الله بسطةً في العلم وجمالاً في البنية ونوراً في الروح لم تتبقى له إلا أشهراً قليلة لمعانقة الحرية ، شكراً لكل صديقاته و أصدقائه الذين كانوا ومازالوا يسألون عنه بإستمرار ولم يُقصروا في حق صديقهم المعتقل بل وأدهشونا بوفاءهم ونبلهم الكبيرين ؛ وشكراً حتى للذين لم يسألوا وغفــر الله لمن إنخدعوا ، فهناك حكمة تقول “عندما تفهم كل شئ تسامح كل شئ ” شكرا لكم جميعا وفرج الله علينا وعليكم كل كرب عظيم……

نــحـن في إنتظـارك يا أخي

قد يعجبك ايضا

التعليقات متوقفه