بعيداً عن التنابز السياسي (فَاس تَحترِق )  “أمام فاجعة فاس لنتأدب في حضرة الألم “

 

بقلم : محمد القاسمي

 

بعيداً عن الإثنيات العرقية والتنابز السياسي فالواجب علينا أمام فاجعة فاس أن نتأدب في حضرة الألم، هذا الألم الذي يُجسِّد لنا الخوف من توقع الشر، نظرا لحجم الكارثة التي أصابت أهل فاس من هول هذا الحريق الذي انبعثت شراراته منذ سنوات، والذي يجسد عقلا وفهما أن القائمين على المدينة كانوا بجهلهم يسوقونها نحو هذا الحريق وزيادة ، فما حريق باب الفتوح إلا نافذة تطل على المزيد من اللهيب والنار الحارقين .

 

فإذا كانت السياسية هي فن إدارة المدينة، ففعلا قد أدار سياسيو فاس وجهتها إلى حيث ما وصلت إليه اليوم، وهذا يفرض على المتتبع والمهتم أن يعرف حقيقة ما يجري في فاس من أسباب ودوافع والتي أدت إلى ما نراه اليوم في عاصمة العلم والعلماء، غاب العلم وحضر الجهل ، غابت الحكمة وحضرت الرعونة والتهور والتيه والظلال .

 

ولعل الحريق الذي نشب في فاس مساء أمس وراح ضحيته خمسة شهداء بالإضافة إلى عدد كبير من المصابين ومفقودين، لا يجعل الوقوف على أسباب الحريق وعزلها عن باقي الأسباب التي أدت إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية بالمدينة، والتي تراكمت عبر سنين فاستفحلت في السنوات الأخيرة، فالوضع المقلق الذي وصلت إليه الحاضرة الإدريسية يجعل العقلاء بالمدينة نفسها وبباقي أنحاء المغرب يقفون على الأسباب الحقيقية التي جعلت المدينة في حالة شرود وأصبحت تمشي بلا هدف، مما يكون الوضع معه تعايشي بحيث يتم تأطير المشكلة وتبريرها وليس الوقوف على حلها.

 

فالنخبة التي تهتم بالعمل السياسي لا يمكن أن تنجح في دورها ومهامها ووظائفها إلا إذا كان لها وعي كبير يسهم في إبداعها ونزاهتها، حيث يرجع تردي تدبير الشأن الترابي في مدينة فاس إلى ضعف تكوين منتخبيها وضعف تجربتهم في جميع الميادين، مما يجعل المدينة تواجه عدة صعوبات أساسها انعدام الخبرة لدى الفاعلين السياسيين وعلى رأسهم عمدة المدينة الذي لا يتوفر على مؤهلات لمزاولة مهامه باقتدار، إضافة إلى تفشي ظاهرة الأمية داخل أوساط هؤلاء المنتخبين، مما يغيب معه دور المنتخب في تدبير الشأن الترابي لمدينة فاس.

 

فمدينة فاس تعاني من نخبة سياسية عاجزة عن تدبير الشؤون الخاصة بالمدينة، ويظهر ذلك بالأساس في غياب أي تصور تنموي حقيقي لعدم فهم وعدم استيعاب منتخب المدينة لدوره المؤطرة قانونا وعدم احتكاكه بالواقع من أجل معرفة الحاجيات الأساسية للمدينة، كما أن المنتخبين عاجزون على مسايرة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحاصلة في المجتمع، ومرد ذلك إلى ضعف المستوى التعليمي وعدم تفعيل برامج التكوين المستمر الخاصة بالمنتخب المحلي وأدواره، وقد سبق والتقيت أكثر مسؤول سياسي بمجالس المدينة فاستغربت أن أغلبهم لا يعرف الميثاق الجماعي .

 

كما أن فشل الانسجام والتكامل بين مكونات المشهد السياسي والاجتماعي داخل المجال الترابي لمدينة فاس، وذلك في غياب أي تأطير حزبي للمنتخبين، بل إن التزكية لا تمنح بالضرورة إلى الأعضاء النشيطين في الحزب، بل قد يتم منح التزكية ليلة انتهاء الأجل الممنوح لتقديم طلب الترشيحات بحيث يغلب على ذلك هاجس الحظ في الحصول على المقاعد في تغييب تام للكفاءة والمستوى التعليمي للمرشح، وأظن أن هذه الحقيقة جعلت السلطة تضطر لتوقيف العديد من المشاريع والاعتمادات والميزانيات التي تبرمج لأجل أي شيء إلا مصلحة المدينة .

 

ومن أسباب وهن مدينة فاس عجز العمدة على مستوى التدبير التنموي المحلي وانعدام القدرة على الابتكار والإبداع، حيث يلاحظ عليه انعدام الاهتمام وتحليه بروح اللامبالاة، كما أن عجزه يظهر في عدم قدرته على استيعاب استراتيجيات التنمية المحلية، وكذا العجز عن الترافع والدفاع عن قضايا مدينة فاس والبحث عن مصادر التمويل والتعريف بالمتطلبات الاجتماعية لأهل فاس، وغياب العمل على تحقيق وتنزيل المشاريع المقترحة، كما أن الرجل غير قادر على مواجهة السلطة التي عرقلت العديد من مشاريع مجلسه، كما أنه غير قادر على الخروج للإعلام وقول الحقيقة ، لأنه مضغوط بملف قضائي يفرض عليه التعامل بحذر شديد …

 

ومجمل القول أن عمدة مدينة فاس جعل الضبابية تحكم المشهد في المدينة مما يؤكد ليس فقط على ضعف رؤيته، وإنما يتأكد أنه لم يزر قط طبيب عيون، ولعل من بين الأسباب التي أدت إلى هذا الانحطاط السياسي هو عدم قدرته على ضبط الانسجام بين المنتخبين وعدم نجاعته في الحد أو على الأقل التقليل من حدة الصراعات السياسية والشخصية التي تقع بين المنتخبين والتي تكون نتاجا للخلافات خلال مرحلة الانتخابات، وكذا عدم قدرته على ضبط إيقاع التواصل بين المنتخبين، وهو ما أدى إلى عدم المشاركة، الشيء الذي نتج عنه النمطية في التفكير والأداء وغياب المبادرة وأدى إلى سوء التسيير للمجلس وإضعاف قدرته التنظيمية.

 

ولعل هذه النتائج التي سردنا والتي مردها إلى ضعف عمدة المدينة الشريف البقَّالي الذي كان يمكن أن يكون أي شيء إلا أن يكون عمدة المدينة، فهذه المعضلات مجتمعة خلقت من حيث لا يدري فوضى وضعت قانونا لها، وهذا القانون أصبح يبيح ظواهر إنحرافية أهمها تفشي الفساد الذي أدى إلى إفشال مجلس المدينة من أداء وظيفته الإدارية والتدبيرية، كما ساهم في إفشال بلورة برامج للتنمية البشرية المستدامة، وهذا كرس الفساد الإداري الذي أصبح في مجلس المدينة بفضل العمدة هو الأصل في التدبير الترابي.

 

ولعل تدخل الدولة من خلال استراتيجيتها لمحاربة الفساد تم تقديم عدد كبير من منتخبي مدينة فاس إلى العدالة في إطار جرائم الأموال، أو في إطار جرائم لها علاقة بالنفوذ والانتخاب، وذلك نتيجة ما مارسوه من استغلال النفوذ والرشوة وتبديد واختلاس أموال عمومية، وذلك في إطار تفعيل وتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة التي جاء بها روح دستور 2011.

 

ولعل ضعف تكوين النخب السياسية والناتج عن عدم تكوينها وعلى رأسهم عمدة المدينة قد خلق مظاهر الفساد الإداري والمالي، وهو ما أدى بشكل كلي إلى كبح وعرقلة التنمية، عبر سوء التدبير والتماطل في تنفيذ المشاريع التنموية واتساع دائرة التسلط والتعسف في استعمال السلطة وسيادة البيروقراطية.

 

إلى روح شهداء لقمة العيش ..