بحزنٍ عميق .. الشيخ عبد الناصر القاسمي يكتُب رسالةَ الوداع الأخير للمقرىء الكبير الراحل أنوار
بقلم : الشيخ الإمام عبد الناصر ابن عبد السلام القاسمي المتيوي
رحمك الله إبني المقرئ العزيز أنوار، عرفتك مايقارب ثلاثون عاماً ، وأنت تزورني تارة بالبيت وتارة بالمسجد وتارة في الزاوية ، شابًّا مادحا لرسول الله، خلوقاً مهذباً، ماهراً في ابتهالاته، ذاكراً استثنائيا، تحلو لنا مجالس الذكر أكثر عندما نراك ، نسعد بلقياك ، بشوشا لطيفا، كتب الله لك القبول في قلوب الناس، كانت محبة خاصة وخالصة نُكِنُّها إليك مع كل الودِّ والحبِّ والإحترام ، افتقدناك وأنت تََتوجَّهُ إلى ربك في هذه الأيام المباركة، رحيلك في هذا التوقيت بالذات ليس صدفة ونحن نعرف قيمة الزمان عند الله .
أحبَّك من كنت تبتهل إليه وتدعوه أناء الليل وأطراف النهار ، عجَّل اللقاء بك ، الُكلُّ يعلم أن صاحب الجلال والإكرام رزقك صوتا جميلا شَجِيا أيها المبدع الكريم، لعلَّك تُسمِع أهل الجنة مما حباك الله إياه، لعلَّ الملائكة تجتمع حولك الآن، لعلك في خير لم نذق حلاوته بعد، لعلك في عالم الحقيقة ونحن في المنامِ والخيال، نضرا لضعفنا وقلة علمنا نحن نشعر بالفقد اتُّجاهك ولاشك أنك في مقام القُرب وتشعر بالإطمئنان ، لو جمعتنا جنان الخلد وستجمعنا بلا شكٍّ أو ريب في رحمة الرحمان ، وخُيِّرنا بطلب شيء للذي لا يُردُّ له طلبٌ أو دعاء ، لطلبناك مادحا في حضرة النبيئين والصدِّيقين والشهداء والصالحين.
افتقدناك وقلوبنا قرحى وأنفاسنا جرحى لهذا الفراق الأليم ، افتقدناك في وقت مُبكر ونحن لم نكتفي بعد من مآنسك ومجالستك ونطمع في بقائك، لكنَّ الله اختارك لحكمة أرادها ، ولا يعلمها إلا هو ، لا راد لأمره وقضائه وقدره ، قضى في أزل الأزال ألاَّ ترحل حتى يُطهرك تطهيراً ونُشهد الله أنَّنا رأينا ذلك ، رحلت وأنت شهيداً مبطوناً ، تصارع المرض الخبيث ، ذاك اللعين الذي لا نملك وسيلة لطرده واستئصاله، ذاك الذي يجعلنا نوكل أمرنا وأمر أحبابنا إلى الشافي العافي ومداوي السِّقام، لكن الرحيم الرحمان هو أولى بك منك، أعلم بك منك ومِنَّا ومن عائلتك وأحبابك وجيرانك ، تقديراتنا عاجزة أمام مالك الملوك ومدبِّر الشؤون ، نداك فلبيتَ الطلب رغما عنّا.
لاطاقة لنا أمام جبروت مالك الأرض والسماء ، نُسلم أمرنا له ونسأل الله لنا ولك ولكل المؤمنين الرحمة والمغفرة، رحلت أيها العزيز وخلفَّت بعدك جيلاً من الذاكرين والمادحين والمسمعين ، قد تغيِّبهم أو تفرِّقهم ضغوطات الحياة ولكن محبتك ثابتة في القلوب، ستصلك الرحمات من هنا وهناك ، ستترك فراغا كبيرا بيننا يصعب تعويضه ، عوضنا الله محبتك صبرا إبني أنوار، وإلى الملتقى إن شاء الله تعالى، لله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء بأجل مسمى وإنا لله وإنا اليه راجعون .