فاس: يَدُ الوالي ومطرقة القضاءِ تقَضِي على فَسادِ محترفي السياسة المنتخبين الكبار
بقلم : محمد القاسمي
في عزلتي كنت أتوق لفجر الغد الذي أرى فيه مدينة فاس باعتبارها حاضنتي وفؤادي، وكنت أمني النفس والهوى بملاقاتها، ووضعت في مخيلتي أنها عبق وردة متفتحة، وأن نهضتها تجلت حديقة بهية، وبعد الانفراج ولجت فاس فأصابتني الرهبة والرعشة، وخيل لي في لحظة صدق مع النفس أنني أخطأت الطريق، وأنني ألج أحد الأحياء الهامشية في إحدى مدن ما قبل الثورة الصناعية، وقد فركت عيني غير ما مرة لأستفيق على واقع مر لمدينة فاس ريحانة العلم ومهد التاريخ ورونق الفكر والأدب، ومدينة التي رفعت الصنعة والصانع لتصبح بوجه بشع مشوه المنعرجات، عشوائي المظهر، والعمران مرتهل، وبدا لي أن الجمال اختفى وبرز القبح في أحلك تمظهراته.
وخلال مقامي لما يزيد شهورا، تجولت في مختلف شوراع وأزقة المدينة، وكل ما لاح لي يثير في النفس استياءا وتأففا، جعلني أتساءل عن الأسباب التي جعلت مدينة فاس تصل إلى ما وصلت إليه من مشاكل على مختلف المستويات التي تتعلق بتدبير المجال الجماعي لها، فمدينة فاس التي أصلها ضارب في القدم وتاريخها حافل بالعلماء وأخلاق أبنائها كالمسك في أرج، أضحت تصبح وتمسي على مجموعة من المشاكل التي تتعلق بالتنمية المحلية والتي يرجع أصل الداء فيها إلى سوء التدبير الذي ينهجه مجلس مدينتها. حيث أن هذا الأخير غرق في العديد من المشاكل والتي يراكمها بالنسيان، حيث أنه ما تمضي فترة وجيزة تحاول الساكنة نسيان مشكل اجتماعي يتعلق بأحد الفضائح التي خلقها عشوائية تدبير المجلس الجماعي حتى تطفو فضيحة أخرى، حتى تجلى لأهل فاس أن عمدة مجلسها خلق لافتعال المشاكل وله قدرة عجيبة على انتاج الفوضى في التسيير، وأن مهمته انحصرت فقط في تدوير المشاكل حتى أنه أصبح بارعا في إزالة الهم بمثله أو نزع الشوك بالإبر.
فمنذ أن ترأس العمدة مجلس فاس وجلس على كرسيها وهو متأبط للعراقيل والإكراهات التي تحول دون تحقيق التنمية، حتى أن كل قرار من شأنه أن يعرقل تنمية المدينة يتخذه بنشاط منقطع النظير، ويستعمل عقله بطريقة منفردة دون الرجوع إلى الطاقات والكفاءات مما يسهل المسالك إلى الفشل بسرعة جنونية. فمنعدم الكفاءة بالفطرة يحارب الكفاءات ويبعدها ويقرب المؤيدين والمتزلفين الأقل منه نضجا، وكل هذا يجعل الصعود إلى الهاوية سهلا وهذا قدر مدينة فاس.
ففي حين نجد أن السيد والي الجهة سعد زنيبر يشمر مأزره ويوقظ نومه من أجل الوقوف الشخصي على مصلحة مدينة فاس، حيث يجري زيارات ميدانية بشكل مكثف ويعقد لقاءات مع مختلف الفاعلين والجهات والمؤسسات من أجل إنجاح الأوراش الكبرى التي أعلن عليها جلالة الملك محمد السادس بفاس، ذلك أن السيد الوالي يولي إشرافا فعليا وشخصيا لجميع الأوراش المفتوحى بالمدينة ويساعده مجموعة من الأطر المتخصصة كل في مجالها من أجل إنجاح هذه الأوراش.
ويمكن القول أن السيد الوالي بخبرته وتكوينه وتفاعله وتعاونه وجد كل أمر سهلا، وكل العراقيل من السهل إزالتها، غير أن عمدة مجلس المدينة وعوض أن يكون العمدة عونا له نجد أنه بعدم إدراكه وضعف كفاءته يخلق العراقيل ويضع العقبات في طريق السيد الوالي الذي أصبح غير ما مرة مجبرا على الانكباب لإزالة تلك الصعاب التي وضعها العمدة في سبيله، وهذا ما جعل الأمر عنصرا خطيرا في هدر الجهد والوقت وعقبة في وجه أوراش التنمية التي يعمل عليها الوالي. وهذا ما جعل بعض الأوساط الواعية بمدينة فاس تعتبر أن العمدة أصبح جزءا من المشكلة، وليس عنصرا معاونا في الحل.
والغريب أن عمدة فاس الذي يعتبر ما يتاح أمامه من فرص للنهوض بالمدينة عملا شاقا ويأتيها متنكرا، ويؤمن بأن القرارات الغير منطقية التي يتخذها لا تشكل عقبة، مما يجعل الأعمال التي يقوم بها بلا فائدة، وكل هذا قوى من شهية الجشع لدى الفرقاء السياسيين المقربين منه، والذين لا هم لهم سوى الركض وراء مصالحهم الضيقة، وخدمة لوبيات المدينة، حيث يتم منح التراخيص للمقربين ومنع الحق عن بعض أصحاب الحق لأنهم غير موالين، في ضرب صارخ للمساواة أمام القانون، وهذا ما دفع صوت الاستنكار من هذه التصرفات يرتفع، وعند محاولة إخماد العمدة لهذه الفضائح وعوض تحمل المسؤولية والوقوف على حلها، يرمي بهذه الأخطاء على عاتق السلطات المحلية بسلوك تبرير أقل ما يقال عنه أنه لا تصرف معيب لا يجب أن يصدر عن رجل متزن ورب أسرة مسؤول.
فضائح العمدة ومن يدور في فلكه ممن يغتنون بالسياسية – وإن كان الأصل أنه لا يمكن للمرئ أن يغتني بالسياسة إلا إذا كان فاسدا – لم تبقى حبيسة أخطاء تجري على لسان الساكنة، وتسبب الغضب والإستياء، وإنما أصبحت تسبب ضررا فعليا وهدرا للمال العام والوقت والجهد العام، لذلك تدخل القضاء وتمت متابعة مجموعة من السياسيين الكبار في المدينة بتهم جنائية ثقيلة وأغلبهم تمت متابعته في حالة اعتقال وذلك لقيام أدلة قوية على التهم الموجهة إليهم. وكل هذا يؤكد بجلاء أن فاس تعاني الويلات من مجلسها ومن عمدتها لدرجة أن الحزام جاوز الطبيين وبلغ السيل الزبى وانفجر الهم ثم اشتعل ولم يبق في قوس الصبر منزع، حتى أن ألم مدينة فاس أنطق الصم والبكم أو كأنه نار مشتعلة في الماء.
وفي الوقت الذي تظهر وتلوح فضائح السياسيين بمدينة فاس التي وصلت للقضاء في شكل تهم جنائية خطيرة تتعلق أغلبها بهدر المال العام وسوء استغلال سلطة والنفوذ، وتم اعتقال العديد منهم، نجد أن أغلب المعينين من رجال السلطة يقومون بعملهم بكل روح المسؤولية وتفان من أجل القيام بالمهام الموكولة إليهم، وذلك تحت إشراف وتسيير فعلي من السيد الوالي سعد زنيبر الذي يمشي بين الناس رجلا وبين الرجال بطلا، ويقوم بالإشراف الفعلي على مرؤوسيه والأوراش بشكل متناسق، وهذا يظهر جليا واضحا للساكنة في المشاريع التي يقف عليها وتم إنجازها في وقت وجيز.