د.مصطفى بوهندي: عصا السنوار وطوفان الأقصى

قبل أن يلقي السنوار عصاه بعام ونيف، كان الكيان الغاصب، قد تآمر مع ملئه المجرمين على إبادة الشعب العربي المسلم في غزة وكامل فلسطين. وكان قد حاصرها سنين عددا، وقتل منها رجالا ونساء وأطفالا بلا عدد، ونكل بممثليها ومقاوميها تنكيلا شديدا، بالقتل والحصار والجوع والعطش والمرض والسجن والتشريد، وكل ما جعل من نصب نفسه ملك الكيان يعلن تألهه بقوله: “أنا ربكم الأعلى، وما أريكم إلا ما أرى، وأن هذه الشرذمة القليلة من المقاومين التي تغيضه سيقضي عليها في أيام قليلة، وسيوزع دمها بين القبائل الغربية والعربية على السواء، ثم يدفن القضية.

قبل أن يلقي السنوار عصاه بعام ونيف، كان فريق من الزعماء العرب قد اصطف لتسلم ثمن صفقة القرن، أو للمساهمة في ثمنها، وربما لدفع الثمن كاملا لتبقى لهم السيادة والرئاسة والزعامة على شعوبهم المقهورة؛ وليحصلوا على الحماية والرعاية وجواز السفر من راعيهم الحكيم. وكان راعيهم الرسمي الأمريكي والغربي يرسم ملامح الشرق الجديد، ويوزع الأدوار والمهام، ويقسم الأنصبة والمغانم والغنائم المتوقعة بين الشركاء، مع غض الطرف الكامل عما يقوم به الكيان الغاصب في غزة وفلسطين.

قبل أن يلقي السنوار عصاه، بعام ونيف، كان قد فجر طوفان الأقصى، وسلك بشعبه طريقا في البحر يبسا لا يخاف ولا يخشى. وأسقط كل الأساطير التي صنعها السحرة ليخيفوا الناس ويسترهبوهم، وكل ما جاءوا به من سحر عظيم؛ من “الجيش الذي لا يقهر”، و”القبة الحديدية”، و”مقلاع داود”، و”الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، كل مظالم “الشعب المضطهد” و”المحرقة” ومختلف “البكائيات”، و”الحقوق الدينية” في “أرض الميعاد” و”شعب اللله المختار” و”معاداة السامية”.

ولما ألقى السنوار عصاه فإذا هي تلقف ما يافكون. وألقي السحرة ساجدين، وقالوا آمنا برب موسى وهارون.
لما ألقى السنوار عصاه، ظهر أن الناس الذين عاشوا في العذاب المبين، كانوا مخدوعين ومستلبين من كيان ميت آيل للسقوط، وما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، وعصا السنوار تفضح أسطورته.

لما ألقى السنوار منسأته، وحل “الجيش الذي لا يقهر” في وحل غزة ولبنان. وغمره طوفان الأقصى، ولا يبدو أن الفرعون الإسرائيلي وجيشه الغارق في الوحل قادرا على النجاة والخروج سالما. فلا المستوطنون قادرون على الرجوع إلى مستوطناتهم، ولا المقيمون في المدن الآمنة الإسرائيلية قادرون على المبيت في بيوتهم بسلام، وإنما يعيشون في الملاجئ عند كل طلقة من مسيرة أو صاروخ أو قنبلة، وهي تطلق الآن بلا توقف، وبوتيرة متزايدة، لتمسح كل فلسطين بدءا من الشمال وإلى آخر بقعة منها، ولتطرد كل صهيوني محتل عفن.

لما ألقى السنوار عصاه، أدرك العديد من عقلاء العالم بما فيهم الإسرائيليون أن نهاية فراعنة إسرائيل ستكون بطوفان الأقصى، وأن كيانهم الهش المؤقت قد بلغ أجله. وأن العودة إلى ما كان قبل طوفان الأقصى غير ممكنة. وأنهم إن لم يسرعوا بتدارك الوضع وتصحيح المسار، وهو أمر ربما فات أوانه؛ فلن ينقذهم من أمر الله شيء، وتكون هذه نهايتهم وزوال دولتهم، “مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا.”