بداية انكشاف فخ ديبلوماسية الديون الصينية
على مدى أكثر من عقد من الزمن، كانت الدول العربية التي تعاني من نقص في السيولة تبحث عن الاستثمارات الأجنبية، وغالباً ما كانت مضطرة لاختيار القروض المشروطة بتشريعات صارمة وحساسية سياسية من الغرب أو القروض من الصين عبر مبادرتها “الحزام والطريق”.
ومع تزايد التدقيق في شروط القروض الصينية وتراجع توافر هذه القروض، بدأت الدول العربية في استكشاف خيارات تمويل بديلة.
ومع التحولات التي شهدتها الأسواق العالمية منذ ذروة التضخم بعد الجائحة، بدأ مسار تمويل جديد يظهر، مما قد يساهم في تقليص التأثير الاقتصادي المتزايد للصين في المنطقة.
تسعى عدة دول عربية الآن إلى العودة إلى أسواق الديون الدولية، حيث تهدف مصر إلى جمع نحو 3 مليارات دولار من خلال الديون الخارجية في الأشهر المقبلة، وذلك أساساً عبر إصدار السندات الأوروبية.
السندات الأوروبية هي أداة دين دولية عادة ما تكون مقومة بالدولار ولكن تصدر خارج البلد الذي يتبنى العملة. ومنذ نشأتها في الستينيات، نمت شعبية السندات الأوروبية حتى عام 2021، عندما أدت ضغوط التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، إلى جانب زيادة المخاطر المرتبطة بالإقراض للدول النامية، إلى انخفاض قدره 70% في الإصدارات من قبل الاقتصادات الناشئة في 2022-2023.
لكن مع استعداد الاقتصادات الغربية لتخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة، مما من المتوقع أن يخفض عوائد سنداتها، أصبحت السندات الأوروبية أكثر جذباً للعالم العربي. ورغم أنها تعتبر أكثر خطراً، إلا أن السندات الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غالباً ما تقدم عوائد أعلى، حيث سجلت بعضها مؤخراً عوائد تصل إلى 7% سنوياً.
مصر ليست وحدها في هذا الاتجاه؛ فقد بدأت كل من المغرب والأردن والإمارات مؤخراً في إصدار سندات يوروبوند، ساعية لجذب الأموال الدولية.
ومن المثير للاهتمام أن هذا التحول نحو السندات الأوروبية قد يعكس أيضاً تراجع اهتمام الدول العربية بالتمويل عبر مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي استراتيجية أرهقت العديد من الدول بالديون.
وهذا أمر منطقي بالنظر إلى التحديات المتزايدة التي تواجهها الدول التي تلقت استثمارات كبيرة بموجب مشاريع الحزام والطريق الصينية. فقد عانت العديد من هذه الدول من صعوبات في سداد ديونها، مما أدى بها إلى الوقوع في ما يسميه المحللون “ديبلوماسية فخ الديون”. في هذا السياق، يمكن للصين استخدام الديون غير المسددة للحصول على تنازلات سياسية أو استراتيجية، خصوصاً من الدول النامية.
وقد بدأت عدة دول ذات أغلبية مسلمة في مواجهة تداعيات مثل هذه الديون. على سبيل المثال، اقترضت سريلانكا أكثر من مليار دولار من الصين لتطوير ميناء، لكنها واجهت صعوبة في سداد الديون. وفي عام 2017، اضطرت سريلانكا لتأجير الميناء للصين لمدة 99 سنة.
وبالمثل، اقترضت باكستان أكثر من 65 مليار دولار من الصين لمشروع ممر الصين-باكستان الاقتصادي (CPEC)، الذي يربط مقاطعة شينجيانغ الصينية بميناء غوادر الباكستاني. ورغم تقدم المشروع في مرحلته الثانية، فإن القرض ساهم في تفاقم أزمة الديون في باكستان، حيث تم تخصيص أكثر من نصف ميزانية العام المقبل لسداد الديون.
وتعد دول الخليج العربي، التي تقع على طول طريق الحرير البحري الصيني، أكثر عرضة لضغوط الديون، خصوصاً بسبب موقعها الاستراتيجي. وإذا ما واجهت أي من هذه الدول صعوبة في الوفاء بالتزاماتها ضمن مبادرة الحزام والطريق، فإن الصين قد تستخدم هذه الفرصة لإقامة وجود عسكري في الخليج الفارسي، على غرار قاعدة الصين العسكرية الحالية في جيبوتي على البحر الأحمر، الذي يمر عبره 12% من التجارة العالمية.
لكن قد تكون درجة تعرض هذه الدول محدودة، حيث انخفض توافر قروض الحزام والطريق بشكل حاد، حيث تراجعت بنحو 40% منذ بلوغها ذروتها في 2018. ويعود هذا التباطؤ إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها الصين، حيث تجاوزت ديونها الوطنية 300% من الناتج المحلي الإجمالي، مما دفعها إلى إعادة تقييم استراتيجية الحزام والطريق من حيث النطاق والقدرة على الاستدامة. فمع تزايد الديون غير المسددة،