بوعشرين يكتب: أيها السوريون احذروا..لا تخرجوا من زنزانة الأسد إلى زنزانة الجولاني
بقلم : توفيق بوعشرين
(أنا مثل السجين الذي ظلّ عشرين عامًا يحفر نفقًا في زنزانته، ثم اكتشف أن النفق الذي حفره يؤدي إلى زنزانة أخرى…)
ــ محمد الماغوط
كل الأمل ألا يكون هذا هو مصير سوريا الغد، وألا تخرج البلاد من زنزانة الأسد لتدخل زنزانة الجولاني. يستحق الشعب السوري مصيرًا أفضل من استبدال سجّان علماني بسجّان إسلامي. التضحيات الكبيرة التي قدّمها هذا الشعب على درب الآلام والحرية ( اكثر من 500 ألف شهيد على اقل تقدير )، من حياة أبنائه وكرامتهم وعيشهم المشترك، تكفي لكي يضع قدميه على مسار تحوّل ديمقراطي حقيقي.
لقد عرف الشعب السوري ما هي كلفة الاستبداد، وما هو ثمن الصمت، وكم تبلغ فواتير الخوف. آن الأوان أن يجرب العيش في كنف الحرية وتحت سقف القانون. الديمقراطية لا تقود البشر إلى الجنة، لكنها تجنّبهم الدخول إلى جهنم. السوريون، أكثر من غيرهم، يعرفون معنى جحيم الاستبداد والفساد وحكم الفرد، وتحكّم أجهزة المخابرات وأهوال معتقل صيدنايا الرهيب.
لهذا، وجب التعلم من دروس الماضي، وعدم ترك فرحة النصر على نظام الكيماوي تذهب بالعقول.
الوضع ليس مثاليا وأطراف كثيرة تدخلت وتسويات وصفقات عديدة جرت تحت الطاولة لتسهيل انتصار المعارضة على النظام الذي سلم جيشه دون مقاومة المدن الكبرى في البلاد لكن هذا لا ينقص من قيمة تضحيات شعب تعذب كثيرا على يد نظام دموي أوقف اي إمكانية للتطور، وحبس شعبا كاملا في زجاجة، الآن فتحت هذه القارورة على ديناميات سياسية عديدة وعلى امكانات تحول سياسي واعدة دون نسيان الاحتمالات الأخرى التي تهدد مكتسبات الثورة السورية وعلى رأسها حسابات الأطراف الداعمة، وعدم تجانس قوى المعارضة، وتربص اسرائيل بمكاسب شعب حر في الجوار واحتمالات خروج ثورة مضادة من غرفة عمليات اجهاض ربيع الشعوب.
لهذا وقبل وبعد كل شيء، لا بد من تحصين هذه التجربة والاستفادة من اخطاء ثورات الشعوب العربية المجهضة وهنا نسوق بعض الأفكار للنقاش :
1. تشكيل هيئة مدنية موسعة انتقالية تمثل كل أطياف الشعب السوري، حتى من الطائفة العلوية المهزومة الآن، للإشراف على الإدارة الانتقالية للدولة، منعًا للفوضى أو أعمال النهب أو الاقتتال الداخلي أو الانتقام. مع التنصيص على عدم أحقية هذه الهيئة الانتقالية في الترشح لأي منصب في الدولة في المرحلة المقبلة.لابد من تعايش الشرعيات الثلاثة الضرورية لانجاح الانتقال السياسي وهي الشرعية الثورية التي أسقطت النظام السابق والشرعية الدولية الضرورية للقبول بالنظام الجديد والاعتراف به دوليا والشرعية الديمقراطية الواجبة لبناء نظام جديد قائم على أسس ديمقراطية وعصرية .
- الإعداد لدستور جديد متفق عليه من كل القوى السياسية والاجتماعية والألوان العرقية والدينية والمذهبية، يكون دستور سوريا الحرة وثيقة تتمثل فيها قيم الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والثقافية والمذهبية، وحكم القانون، والفصل بين السلطات، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتوازن السلطات. يجب إطلاق حوار وطني شامل للتوافق على أسس النظام المقبل، ولا بأس من الاستعانة بخبراء الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية عبر جمعية وطنية منتخبة او متوافق عليها .
- عدم التسرع في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل أن تداوي سوريا جراحها، وتتخلص من أحقاد طوائفها وتياراتها. قانون الأغلبية والأقلية وآليات صندوق الاقتراع لا تشتغل إلا في بيئة سياسية سليمة، وتوافق واسع بين النخب على أسس النظام البديل. العدالة الانتقالية ضرورية لتصفية تركة حكم العقود الستة المظلمة. التسرع في الانتخابات والبلاد تنزف والجروح طرية والنفوس متألمة لن يفرز حكمًا رشيدًا ولا نظامًا جديدًا، بل سيفتح المجال للاقتتال الداخلي ولحكم المحاصصة، كما حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين.
- محاكمة رموز النظام السابق أمام محكمة (العدالة والحقيقة والصفح)، محكمة تقر العدالة أولاً، ثم تكشف حقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والحيوان التي حدثت طيلة حكم الأسد الأب والابن. تتجه المحكمة إلى الصفح عن مجرمي العهد السابق بعد عزلهم عن مناصبهم واعتذارهم عن جرائمهم، كما فعل نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا.
- تنظيم عودة اللاجئين والنازحين إلى البلاد وتعويضهم من الأموال والممتلكات المصادرة من يد الأسد وعائلته وكبار الحيتان التي تغذت من فساده. الشروع في إعادة إعمار سوريا بمساهمة الدول الصديقة والشقيقة للشعب السوري، عن طريق الأمم المتحدة وتحت مراقبة المنظمات الدولية.
- فك الارتباط مع القوى الإقليمية والدولية، وعدم السماح لهذه القوى بالتدخل في عملية رسم مستقبل سوريا. يجب على الهيئة الانتقالية التي ستدير البلاد لفترة سنة إلى سنتين أن تصون وحدة البلد وفي نفس الوقت ان تطمئن النظام العربي والدولي الخائف من انتقال المد الثوري إلى دول الجوار وذلك لمنع المحيط الإقليمي من قيادة ثورة مضادة ضد الثورة السورية وظيفة السوريين اليوم اعادة بناء بلادهم واستقرارهم وتنميتهم وليس الانسياق وراء أحلام ثورية غير واقعية او اوهام ايديولوجية عابرة للحدود وهذا امر ينطبق على الإسلاميين بكل ألوانهم وعلى الأكراد بكل اتجاهاتهم .
- التحول إلى الدولة الفيدرالية والحكم الجهوي لمعالجة الآثار المدمرة لنظام مركزي ديكتاتوري متسلط. هذا التوجه سيؤمن مخاوف الأقليات، ويمنع مخططات الانتقام باسم الدين أو المذهب أو العرق أو الطائفة.
- تحرير الفضاء السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي من الخوف والرقابة والتعصب والتطرف والتخندق، لخلق مناخ حر وصحي تزدهر فيه الأفكار والمشاريع المجتمعية. يجب مواجهة التحديات المتعلقة بعلاقة الدين بالسياسة، وعلاقة الدولة بالمواطن، وعلاقة النظام بالأقليات.
- الحفاظ على الموسسات القائمة لإدارة البلاد والتمييز بين الدولة ونظام الحكم وجمع السلاح من يد الثوار في أسرع وقت ممكن، وإجراء إصلاحات عميقة في الجيش دون حله، ودمج الثوار المسلحين كأفراد لا كمجموعات في الجيش الجديد بعد تطهيره من القيادات المجرمة. الصفح عن الضباط الصغار ومتوسطي الرتب ضروري. (أكبر خطأ ارتكبه الجيش الأمريكي بعد الإطاحة بالنظام البعثي في العراق كان حل الجيش. رأينا كيف انتشرت الفوضى بعد ذلك، وكيف لجأت القيادات البعثية إلى الانتماء إلى داعش أو الميليشيات الطائفية).
لقد خرج السوريون من الجهاد الأصغر للإطاحة بنظام دموي، ودخلوا الآن إلى الجهاد الأكبر من أجل بناء مستقبل أفضل لسوريا والسوريين. الثوار، على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم، كانوا مجتمعين على هدف واحد: الإطاحة بالنظام البعثي الدموي والعصبوي. الآن، هم مختلفون على كل شيء. فهل سيدبرون اختلافاتهم بالتي هي أحسن، وداخل فضاء حر ومفتوح ومدني، في انتظار بناء مؤسسات ديمقراطية منتخبة تعمل عبر صناديق الاقتراع وآليات التداول على السلطة؟ أم سيعيدون تكرار التجارب الفاشلة في العراق ومصر واليمن؟
الأخبار الأولى القادمة من دمشق مبشرة، والمعول على أبناء سوريا الأحرار أن يكونوا في مستوى اللحظة التاريخية وفي مستوى الدماء التي سقطت، والآلام التي رسمت لحظة التحرير هذه.
أفكار نتقاسمها مع الإخوة في سوريا، وأهل دمشق أدرى بشعاب ثورتها.