عبد السلام اكني يكتب… هكذا خططت الجزائر لاغتيال الملك الحسن الثاني..وهكذا نجا من جنرالاته!

من البديهيات والمسلمات منذ بدء اللعبة السياسية وأنظمة الحكم على مر التاريخ، أن يكون لكل رئيس أو حاكم أو زعيم في العالم مؤيدون، وفي المقابل أعداء معارضون يتربصون به لتنحيته من الحكم أو حتى لتصفيته واغتياله. كذلك كان حال الحسن الثاني ملك المغرب، الملك الذي وصفه الكثيرون بالأعجوبة، بعد نجاته من أكثر من ست محاولات اغتيال خلال فترات حكمه الطويلة للمغرب.
الحسن الثاني بن محمد بن يوسف، سليل الأسرة العلوية، جدهم الأكبر مولاي الشريف العلوي،(1929م،م1999)، حكم المغرب بين عام 1961م وم1999، أي ما يناهز 38 عاما.

تمكن رفقة والده محمد الخامس من تحرير المغرب من قبضة الاستعمار،عرف بدهائه وحنكته السياسية منذ أن كان شابا يافعا وهو يمشي ورآء والده، وتعيينه وليا للعهد.
استطاع الحسن الثاني والذي استفاد من تجربة والده، بعد خروج الاستعمار الفرنسي من المغرب والحصول على الاستقلال عام م1956، والاسباني بعد مسيرة خضراء لتحرير الصحراء عام م1975 ، من تحقيق استقرار عجزت عنه عدد من الدول العربية بل العالمية، في تلك الفترة إلى حد الآن.

يعتبر الحسن الثاني أحد أبرز الحكام العلويين الذين حكموا المغرب، عرفت فترة حكمه تطورا كبيرا من حيث مأسسة الدولة، ومن حيث توجيه البلاد إلى المعسكر الرأسمالي الذي مكن اقتصاد البلاد من النمو.
بيد أن مهمة هذا الملك الأعجوبة لم تكن سهلة أبدا، فقد واجه عددا من الصعاب في تحصين حكمه وملكيته، واستعمل جميع الأساليب لكبح قوى المعارضة خلال فترة حكمه، إلى درجة ارتكاب تجاوزات وانتهاكات جسيمة في مجال حقوق الانسان، وتمثلت في الاختطافات القسرية والاعتقالات التعسفية ومعها إنشاء معتقلات سرية للتعذيب.
انتهاكات كان لها ما بعدها، بعد أن وضع بن محمد بن يوسف في محل التهمة من طرف جمعيات حقوقية دولية ووطنية، والتي اعتبرت أن فترة حكمه عرفت انتهاكات حقوقية، وطالبت بفتح تحقيق في ذلك.
اتهامات عجلت بعد وفاته بسنوات قليلة وتولي محمد السادس الملك، بإنشاء هيئة الانصاف والمصالحة، للتصالح مع الماضي المرير خلال فترة الثمانينات من حكم والده، وذلك في 7 يناير 2004 بناء على قرار ملكي، وتعتبر ذات اختصاصات واسعة غير قضائية في مجال تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وكان من مهامها البحث عن الحقيقة والتحري وتقييم الضرر والتحكيم والاقتراح.
كان للحسن الثاني مؤيدون وطنيون، وحظى بحب عدد واسع من فئات الشعب المغربي، إلا أن له أعداء كثر، خاصة من بعض الجنرالات، الذين وضع فيهم الثقة الكاملة وأسند لهم مهمات ومسؤوليات كبيرة، ومن داخل أكبر المراكز الحساسة في البلاد، ألا وهي الجيش.
فمن محاولة انقلاب الجنرال محمد المذبوح إلى الجنرال محمد أفقير، وغيرهما من الذي نصبوا العداء له، وقاموا بمحاولة اغتياله وتصفيته وتنحيته من الحكم، تمكن الحسن الثاني من النجاة بأعجوبة، ليسوق سفينة البلاد في الطريق الذي رسمه لها.

صدر كتاب جديد في فرنسا، تحت عنوان “العالم كما يراه كارلوس”، للكاتب الفرنسي لازل ليزيسكاي، والذي فجر مفاجأة مدوية، على شكل حادثة تاريخية.
كشف كاتبه عن عملية اغتيال فاشلة استهدفت الحسن الثاني بقيادة القائد الثوري الفنزويلي إليتش راميريز سانشيز، والمعروف بلقب كارلوس، وذلك بعد تجنيده من طرف نظام الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.
وكشف كارلوس في كتابه أن عملية اغتيال الحسن الثاني فشلت رغم التخطيط المحكم لها، بسبب وفاة الرئيس الجزائري هواري بومدين قبل تنفيذ العملية بأسابيع فقط. وأشار الكاتب إلى أنه في27 دجنبر 1978 خسر كارلوس واحدا من أقوى مناصريه وأكثرهم نفوذا بوفاة الرئيس الجزائري هواري بومدين”.
كتاب أعاد إلى الاذهان من جديد تاريخ الاغتيالات التي تعرض لها الحسن الثاني خلال فترة حكمه، أحداث أبت ذاكرة أجيال السبعينات والثمانيات ومابعدها نسايانها.
وبدورنا قمنا بالنبش في الذاكرة وفي فترة حكم الحسن الثاني، معتمدين في ذلك على أهم ما كتب ودون من الكتابات والشهادات عن فترة حكم هذا الملك الداهية، ومن أبرزها كتاب “صديقنا الملك” لكاتبه الفرنسي جيل بيرو، وكتاب حدائق الملك لفاطمة أفقير وغيرهما، مستعرضين بذلك لأخطر انقلابين تعرض لهما الحسن الثاني انقلاب الجنرالين المدبوح وأفقير، والتي كادت أن تعصف بحكم العلويين وتجعله في مهب الريح.
انقلاب الجنرالين محمد المدبوح ومحمد اعبابو 1971م.

يعتبر الجنرال المدبوح المزداد عام 1927م من أبرز الجنرالات الذين نالوا بثقة الملك الراحل الحسن الثاني، ومن أكثر الموالين للحسن الثاني خلال فترة الاستقلال،وشغل منصب مدير مكتب البريد في حكومة عبد الله ابراهيم.
والده كان قائدا بأكنول وقاتل تحت لواء ليوطي ضد عبد الكريم الخطابي.
تلقى محمد المدبوح التعليم العسكري متخصصا في الخيالة في مدرسة سوموور، وخدم في الحرب الهندوصينية الفرنسية.
تم تعيينه كقائد للحرس الملكي، قبل أن ينقلب رأسا على عقب ليكون أحد المخططين لمحاولة انقلاب فاشلة ضده في الصخيرات، 10 يوليوز 1971، إلى جانب الكولونيل اعبابو.

الكتابات تشير أن بداية التفكير والاستعداد لعملية الانقلاب ارتبط بشكل سري مع ترقية محمد اعبابو يوم 3مارس 1971 وبالزيادة في تسليح مدرسة أهرمومو التي كان على رأسها.
بدأت فكرة الانقلاب تراود الجنرال المدبوح بعد عودته من زيارة قادته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، للتحضير لزيارة الملك آنذاك، اكتشف خلالها حجم الفساد المستشري وحالة الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بالمغرب.
وصف جيل بيرو في كتابه صديقنا الملك الجنرال المدبوح بخلد مؤامرة يوليوز، يهتم بكل شيء، وهو رئيس بين الملك أي السيد الحقيقي للجيش، مهمة وزير الدفاع الوطني تقتصر على تسيير الامور الادارية، وتابع بيرو أن في شهر نيسان أرسل الحسن الثاني الجنرال مدبوح إلى الولايات المتحدة ليحضر للزيارة التي يزمع الملك القيام بها إليها.
كان على المدبوح أن يتعرض لقضية القواعد العسكرية الامريكية الشائكة، وهي قواعد تنازلت عنها فرنسا إلى الولايات المتحدة دون أي نص ناظم لوجودها أو محدد لمدة بقائها، واشنطن تريد الخروج من هذا الوضع الضبابي، وخاصة من الناحية المالية فوزارة الخزانة الامريكية لا تعرف على أي بند بالموازنة تقيد أجرة القواعد المسددة مباشرة إلى خزينة الملك، والوضع من وجهة النظر غير الحسنية لا يطاق قانونيا.
تقابل الجنرال المدبوح في خليج كالفيورنيا مع سيناتور أمريكي صديق لشركة الطيران بان أمريكان، أشار السناتور إلى أن لرجال الاعمال الامريكيين بعض الخبرة في الفساد القائم في العالم الثالث لكن المغرب من وجهة النظر هذه أذهل والاكثر تقززا منهم، غضب المدبوح الذي أحس بالاهانة في صميمه، و طلب توضيحا فقدم له دون تردد.
هنا بدأت القصة، فعند عودة الجنرال إلى المغرب أعد تقريرا مفصلا للحسن الثاني الذي وعد الامريكان بالقيام بالضروري لوضع الحد للفساد الذي استشرى في البلاد.
لم يستجب الحسن الثاني لطلبات الجنرال المدبوح، بل طلب منه أن ينسى كل شيء ولا يثير هذا الموضوع أبدا. وهنا أحس المذبوح بأن الملك يخفي عنه شيئا خطيرا ومهما. أرعبت هذه القضية الجنرال المذبوح. أخذ إجازة لمدة شهرين بدعوى المرض وانزوى في بيته. وهكذا تسربت فكرة الانقلاب إلى ذهنه.
ومن تم خطط رفقة الجنرال محمد اعبابو للانقلاب على الحسن الثاني في 10 يوليوز 1971، كيف لا وهما أبناء بلدة واحدة ويتقاسمان نفس الأفكار .

الجنرل محمد اعبابو هو من مواليد 1935 ببورد، دائرة أكنول/ إقليم تازة إحدى أهم محاور “مثلث الموت” ومعقل جيش التحرير المغربي. تلقى تعليمه بالمدرسة الابتدائية الفرنسية بتازة، وهو ابن شيخ قبيلته. وطالما بين عن شجاعة وكفاءة خارقة منذ أن ولج سلك المؤسسات العسكرية.
بعد تخرجه بالأكاديمية العسكرية تم تعيينه ضمن الفرقة التاسعة للمشاة بالحامية العسكرية بأكادير بعد تخرجه برتبة ليوتنان. وبعد سنوات تسلق المراتب، ثم التحق بأهرمومو سنة 1968 على رأس المدرسة العسكرية وهنا بزغ اسم امحمد اعبابو وسطع نجمه بالنظر للانجازات والإصلاحات والتغيرات التي أقدم عليها.
لم يكن اعبابو وحشا عسكريا فقط، بل كان العديدون يعترفون بذكائه، وكان يكن العداء للحسن الثاني، ويسميه بالزنجي تلميحا إلى لونه الاسمر القائم وملامحه الزنجية التي ازدادت مع تقدمه في السن، وورثها عن أمه الزنجية.
بدأت محاولة انقلاب الجنرال المدبوح ومحمد اعبابو على الحسن الثاني بعد أن جمع اعبابو ضباط مدرسته العسكرية بحضور شقيقه الأكبر الضابط محمد أعبابو وأخبرهم بوجود مناورة سوف يجرونها في غضون 48 ساعة.
لم يكن الطلاب على علم بالمناورات ولا بموضوعها، أخبرهم أن هناك قيادة أعلى منه رتبة سوف تنضم إليهم في الطريق وتشرح لهم موضوع المناورة وأهدافها.
بدأت الامور عادية بالنسبة للحسن الثاني وهو يحتفل بعيده ميلاد 42 في القصر الملكي بالصخيرات، كان هادئا إلى حد ما.
بدأت ساعة الصفر في 10 يوليوز 1971م ، كان الجنرال المدبوح يجهز للانقلاب بدقة، وبعد أن رفض الحسن الثاني في اللحظات الاخيرة أن يشارك في مباراة غولف نظمها مدبوح يوم عيد ميلاده، لوحظ أن التدقيق في بطاقات الدعوة على المدخل يتم بطريقة شكلية، حيث أن المدبوح المسؤول عن الامن لا يخامره أي قلق.
بعد أن دخل الحسن الثاني على المدعوين الذي وجدوا على الموائد ما لذ وطاب، أبعد بإشارة من يده المتربعين من خيمته وجلس وحيدا إلى المائدة الخاصة به، وغير بعيد عنه مائدة كبرى ضمت الضيوف المتميزين.
تحرك الانقلابيون نحو قصر الصخيرات، في الساعة الثانية زوالا سمعت فرقعة انفجارات، فكر كثيرون أن أسهما نارية قد أطلقت ففي كل عيد للملك تجري بعض التسليات عن المدعوين للترفيه، وما هي إلا طلقات نارية لاقتحام القصر من طرف الجنرال اعبابو بتخطيط مع الجنرال المدبوح للانقلاب على الحسن الثاني.
كان الموت يضرب كيفما اتفق وغالبا بشكل ظالم، أطباء قتلوا لأنهم هرعوا لتقديم المساعدة لجرحى قضى معظمهم من نزف جراحه، قنابل يدوية قذفت من فتحات التهوية فقتلت الطهاة وخدم المطابخ، صبيان الغولف التعساء صرعوا خلال الدقائق الأولى من الهجوم، ضيوف الملك جمعوا بفظاظة وسرعة وأمروا بأن يستلقوا وبطونهم على الأرض وأيديهم فوق رؤوسهم وأشعة الشمس تلسع ظهورهم.
استطاع الحسن الثاني الفرار إلى صالة العرش ومنها إلى المراحيض برفقة وزيره الأول أحمد العراقي ووزير داخليته وذراعه الأمني الأقوى أوفقير إلى جانبه ينظرون من ثقب الحمام إلى ما يجري في الخارج.
نشب خلاف حاد بين الجنرالين بعد اختفاء الحسن الثاني، وقام اعبابو بتصفية شريكه في الانقلاب قائد الحرس الملكي محمد المذبوح. بعد أن تساءل موجها كلامه إليه في “الانقلاب: “أين هو؟، لقد وعدتني بأنني سأجده موثوقا في أغلاله. لقد خنتني سيدي الجنرال.
فأجابه المدبوح: “لقد خنتني أنت أيضا، لقد كنت أريد انقلابًا أبيض وليس حمام دم”.
لينطلق اعبابو بعد أن قتل رفيقه إلى العاصمة الرباط من دون أن يعثر على الملك الذي لم يغادر القصر.
قام الانقلابيون بالسيطرة على مبنى الإذاعة وكانوا يبثون البيان رقم واحد برفقة موسيقى عسكرية.
نجا الحسن الثاني من انقلاب الجنرالين المدبوح واعبابو بطريقة غريبة، حيث دخل الطلاب الملاحق وأخرجوا الملك وكبار رجال الدولة، وصل بعض الطلاب الضباط حتى مجموعة الملك وأمسك به أحدهم من كثف قميصه وأجبره على النهوض (بوحشية لا تصدق وفقا لقول الحسن الثاني): أنت تعال معنا. أحاط به ستة طلاب، ذهب الملك ويداه مرفوعتان عاليا، خيم الصمت على الحضور، جمدهم الرعب وأثار انتباههم همهمة شبيهة بتلك التي تصدر عن قفير النحل، صادرة من الجهة التي اقتيد إليها الملك، بدت وكأن عدة أشخاص يتمتمون، وظهر الحسن الثاني مجددا ليس حيا فقط بل باسما أيضا.
الحسن الثاني قص للصحفي الفرنسي ريمون تورنوا ما حصل بينه وبين الطلاب، أنهم كانوا متوترين ولما ابتعدوا عن الناس وجهوا له تحية عسكرية فقدر الحسن الثاني أن أمرا خارقا قد حدث يجب متابعته، وبدأ حسب ما قال بتوبيخ الطلبة قائلا لهم: «لماذا لا تقبلون يدي هل غدوتم كلكم مجانين؟، أنتم جنود الجيش الملكي أولادي»؛ لكنهم ترجوه أن يخفض صوته، الآن كثيرون يبحثون عنه ويريدون له السوء، فقبلوا عنقه وكتفه.
وقال إنه حينئذ بدأ بتلاوة الفاتحة وبعض الآيات القرآنية التي رددها معه الطلبة والحضور، ليخرج بعدها الحسن الثاني ليقول في مؤتمر صحفي “إنني اليوم ملك أكثر من البارحة”.
انقلاب الجنرال محمد أفقير عام م1972

يعتبر انقلاب الجنرالين اعبابو والمدبوح على الحسن الثاني، من أخطر الانقلابات التي كلفت المغرب ثمنا باهضا، وخلفت مأساة كان لها ما بعدها، على المغرب وشعبه، و كان من بين أخطر نتائجها إنشاء معتقلات سرية للتعذيب ومن أخطرها سجن تزمامارت الرهيب.
كما خلف تصدعا خطيرا داخل قيادات الجيش بعد أن قضى تسعة جنرالات نحبهم، تصدع وصفه الجنرال الفرنسي جيل بيرو بالكارثة العسكرية لم تعرفها أي حرب مهما بلغت حدتها.
بعد فشل انقلاب الصخيرات في يوليو 1971، بزغ نجم الجنرال أفقير، والذي لم يكن سوى ابن ثخوم الجهة الشرقية للمغرب ، والمزداد عام 1920، كان الابن الثاني لـأحمد بن قدور أوفقير، أب كان يمتهن قطع الطريق والسلب والنهب، كان يغير على عشرات القوافل القادمة من الجنوب المغربي والحدود الجزائرية ويستولي على حمولتها من أموال وحبوب. لكن مع قدوم الاحتلال الفرنسي أعاد الأب تموضعه فتغيرت وظيفته ليصبح وجيها لضيعته الصغيرة، عين الشيخ وعونا من أعوان الاستعمار.
ولد أفقير بقرية عين الشعير، لم يتمكن من ولوج المدرسة في سن مبكرة، بدأ تعليمه في منطقة بودنيب وعمره 16 سنة، تابع تمدرسه بــ “كوليج” أزرو (طارق بن زياد)، وكان الوحيد بين إخوته 16 الذي بلغ هذا المستوى من التحصيل. ثم التحق بالمدرسة العسكرية بمكناس.
والتحق بالجيش الفرنسي، وبدأ مشواره كقناص في صفوف الجيش الفرنسي، وتأقلم في الحرب العالمية الثانية، سيما بإيطاليا والحرب الهندوصينية الأولى، ثم بات مساعدا قريبا لأربعة مقيمين عامين فرنسيين بالمغرب.
وبعد استقلال المغرب تسلق بسرعة إلى قمة السلطة والنفوذ، حيث عمل مرافقا للملك محمد الخامس، فرئيسا للأمن ثم وزيرا للداخلية فوزيرا للدفاع (آخر وزير للدفاع بالمغرب). وقد كان قاسيا في ردع الاستقلالين وسكان الريف واليسار المغربي عموما. وينسب إليه كذلك تورطه في اغتيال المهدي بن بركة بإذن من الملك.
في غشت 1964 رقي إلى رتبة جنرال ووزير للداخلية خلفا لأحمد رضا أكديرة، مع بقائه محتفظا في ذات الوقت بإدارة الأمن الوطني ورئاسة “الكاب1” وبهذه المهام والمسؤوليات التي اجتمعت له أصبح أوفقير في الواقع الرجل الثاني في الدولة، مباشرة بعد الملك الحسن الثاني.
لعب أوفقير دورا حاسما في كسر انقلاب الصخيرات، لكن ثمن إثبات ولائه للملك لم يكن فقط التصدي للانقلاب، بل كان عليه أن يشرف على إعدام رفاقه الذين اشتركوا في الانقلاب، خصوصا رفيقه في الدراسة والطفولة والبندقية الجنرال بوغرين.
كان هدف الجنرال أوفقير في تأسيس حكومة وصاية على ولي العهد، بدأ أوفقير منذ ليلة انقلاب الصخيرات التمهيد لانقلاب جديد، وبدأ يحسن أوضاع القوات المسلحة حتى يضمن ولاء الضباط له هو وليس للملك، كزيادة في الأجر، وبناء مسجد في داخل القواع.
لم يدر بخلد الحسن الثاني أن الجنرال أوفقير الذي وضع فيه ثقته بعد أحداث الصخيرات وخوله كل الصلاحيات لملاحقة فلول الانقلابيين والسيطرة على الوضع، سينقلب عليه بعد عام فقط.
قبل شهر من محاولة انقلاب أوفقير أي في شهر يوليوز عين الكولونيل أمقران قائد قاعدة القنيطرة الجوية قائدا ثانيا في القوات الجوية الملكية وعين الرائد قويره قائدا للقاعدة. ثلاثة رجال كانوا قادة الخطة الانقلابية: الجنرال محمد أوفقير (وزير الداخلية والدفاع) المقدم محمد أمقران والمقدم الوافي كويرة. منذ ثلاثة أسابيع وضع هذا الثلاثي خطة انقلاب عسكري ستكون انطلاقته بالهجوم على الطائرة الملكية.
كان هناك اجتماع طارئ من الثامنة إلى الثانية زوالا بمقر قيادة القوات المسلحة الملكية بالرباط، يوم 16 غشت وقد أشرف عليه الكولونيل حسن اليوسي ليصادق على التعيينات التكتيكية التي تم اختيارها بسرعة قبيل الانقلاب.
فبعد أن ترقى أمقران وأصبح رسميا الرجل الثاني في الجيش،عوضه كويرة على رأس القاعدة الجوية بالقنيطرة التغييرات التي اتخذت بسرعة كان الهدف منها التحكم في الضباط، ومنع باقي القواعد الجوية من التدخل أثناء الانقلاب.
ذهب الملك الحسن الثاني في رحلة إلى باريس منذ 26 يوليوز، وتوجه إلى فرنسا في باخرته ولم يدخل المياه الإقليمية الإسبانية بل بقي في المياه الدولية حتى الوصول إلى الجنوب الفرنسي ومن هناك إلى مقر إقامته، لأن العلاقات المغربية-الإسبانية كانت متوترة نوعا ما على خلفية ملف الصحراء.
كان الملك ينوي قضاء قرابة شهر من العطلة في فرنسا، لكن بعد رحلة استغرقت 3 أسابيع، أخبرته المخابرات الفرنسية بتحركات في الجيش، فقرر العودة مسرعا، وتوقف بإسبانيا في مطار برشلونة برفقة حاشيته على متن طائرة بوينغ 727، وعقد لقاء مع وزير الخارجية لوبيث برافو، وتوجه بعدها إلى طائرته.
كانت طائرة البوينغ الملكية تحلق في أجواء مدينة تطوان، عندما ظهرت 6 طائرات من طراز F5 التي قدمتها أمريكا حديثا للمغرب كهدية، ظنها الملك مبادرة من أوفقير للترحيب به بمرافقة ست طائرات حربية لطائرته كموكب تشريفي، لكن ما إن مضت دقائق حتى بادرت إحدى الطائرات بتصويب رشاشاتها بكثافة نحو الطائرة البوينغ التي كان يستقلها الملك فتعطل محركان من محركات الطائرة الثلاثة ثم قامت الطائرات الخمس المتبقية بنفس الأمر ورشقت الطائرة التي كانت تتأرجح في السماء على ارتفاع ثلاثة ألاف أمتار، وبسرعة 900 كيلومتر وبدأت تهبط طائرة البوينغ 1000 متر.
أبدى قائد الطائرة الملكية هدوءا مصحوبا بالخداع في ايقاف الهجوم على الطائرة عند هذا الحد، انسحب المهاجمون إلى قاعدتهم في القنيطرة للتسلح مجددا فيما اغتنم قائد الطائرة محمد القباج (أصبح فيما بعد قائدا لسلاح الجو) الفرصة في هذه الأثناء، وبعد 20 دقيقة، على الساعة الثانية والنصف زوالا، هبط بنجاح بطائرة، بالغة الاصابة، وسط سحب من الدخان في مطار الرباط العسكري، فيما أصبحت أي فرصة لتحرك الملك دون أثر ودون شهود مفقودة لمنفذي الانقلاب.

توجه الملك من المطار العسكري مباشرة إلى غرفة كبار الزوار بالمطار المدني، حيث قام بتحية حرس الشرف وتحية الشخصيات الكبيرة المصطفة لاستقباله، ثم قضى بعض الوقت في إصدار التعليمات، لينسحب بعدها، وبصورة مرسومة، إلى سيارة صغيرة متوجها إلى الصخيرات على بعد نحو 20 ميلا جنوب الرباط مستعملا طرقا فرعية.
وبعد وقت وجيز من مغادرته، حلق فوق المطار سرب من الطائرات المقاتلة وبدأت في قصف صالة كبار الزوار والمنطقة الخلفية لها، وأطلقوا النيران على موكب الاستقبال الذي كان لا يزال هناك، وهذه من اللحظات التي شهدت معظم الاصابات التي حدثت، فمات 8 وجرح 50 بينهم 4 وزراء.
اعتقد رجال أوفقير توجه الملك نحو القصر الملكي في الرباط فتوجهت الطائرات أيضا لتقصف القصر وأوقعت قتلى وجرحى لكن بدون أن يكون هنالك أثر للملك.
توفي أفقير في غشت 1971، منتحرا حسب الرواية الرسمية، ولعله لم يخطر بباله يوما أن نهايته لن تكون بعيدة عن النهاية الغامضة التي صنعها هو نفسه بالمعارض البارز المهدي بن بركة، الذي مايزال مجهولا حتى هذه الحظة كيفة موته.
هكذا نجا الملك مرة أخرى من الموت المحقق ليروج الكثير عن بركته بين المغاربة بحظه الذي لا يقهر.
قالت زوجة أفقير في سيرتها الذاتية المعنونة بـحدائق الملك، التي تروي فيها رواية أخرى للأحداث : لم يكن زوجي يسعى لتقويض الملكية. أراد إقصاء الحسن الثاني، وخلق الشروط الملائمة لتنصيب ولي العهد على العرش فيما بعد. لم يفكر في نظام عسكري.
وتابعت “مساء يوم الاعتداء على الطائرة، توجه أفقير إلى قصر الصخيرات نحو منتصف الليل مدعوا إليه، كان يعرف أنه ذاهب إلى موت محتم، ووجه خصومه بجرأة و إباء…قتل زوجي تحت بصر الملك..لم يكن أفقير كلبا، ولكنه رجل أبي، لم يكن ملاكا بالتأكيد، وكان له خصوم حاربهم، لكن كان لخير الملكية في المغرب، قيل عن موت أوفقير انتحار بدافع الوفاء..صدقت في البدء …وربما أراد أفقير فعلا أن ينهي حياته بعد أن شبع منها وارتوى.. في العشية لف الجثمان في بطانية والقي في شاحنة صغيرة، كان وجهه شديد البرودة.. نظرت إليه بحدة، رأيت ثقبا في صدغه الايسر وبدأ كل شيء يغلي في رأسي..وبقليل من الصواب الذي بقي لي في تلك اللحظات غير المحتملة بدأت أدرك الحقيقة”.
تعرضت عائلة أفقير للاعتقال في السجن مدة 20 عاما، قبل أن يطلق سراحها، وسردت فاطمة أفقير زوجة الجنرال قصتها في عهد الحسن الثاني، في كتابها المذكور، لينهي بذلك الحسن الثاني عهد الانقلابات بالمغرب!

التعليقات متوقفه