أولاد عبد الله: هل أضحى تخليق المشهد الحزبي ضرورة مجتمعية؟
بقلم: أشرف أولاد عبد الله:عضو المجلس الوطني لحزب الاستقلال عن إقليم الحسيمة
يقول الفقهاء إن المناسبة شرط، ومناسبة خط هذه الكلمات لا يرتبط أساسا بموعد 05 أكتوبر 2024 كتاريخ لالتئام المجلس الوطني لحزب الاستقلال للمصادقة على لائحة اللجنة التنفيذية التي يقترحها الأخ الأمين العام، طبقا للتعديلات التي طالت النظام الأساسي للحزب والتي صادق عليها المؤتمر الثامن عشر.
بل إن سياق هذا الكلام أعمق من ذلك، إذ فرضه ما أثير في الأيام القليلة الماضية خصوصا بعد إعلان الأخ الأمين العام عن هذا الموعد التنظيمي وما صاحبه من ترويج للوائح بأسماء بعينهم لأعضاء اللجنة التنفيذية المرتقبة، وما تلاه من لغط و تفاعل على مستوى المنابر الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي ومن قبل بعض صناع الرأي، توج بصدور بيان شديد اللهجة من قبل الجمعية المغربية لحقوق الضحايا أحيى وأعاد إلى واجهة النقاش العمومي قضية الأخت رفيعة المنصوري وموضوع الشكاية التي سبق أن تقدمت بها أمام القضاء في مواجهة الأخ نور الدين مضيان.
هذا الخضم لم يرجعنا فقط إلى شهور خلت، حيث استفاق الرأي العام الوطني على تسجيل صوتي منسوب للأخ نور الدين مضيان وهو يرغد ويزبد ويهدد ويتوعد وينعت بأبشع النعوت وأقدح الأوصاف مناضلة وزميلة له في الحزب، بل أعاد إلى الأذهان وبقوة سؤال تخليق المشهد الحزبي، ومدى تفاعل القيادة الحزبية بإيجابية مع الرسائل الملكية السامية الداعية إلى تخليق العملي السياسي والحزبي، وبلورة؛ تبعا لذلك، تصور لمدونة أخلاقيات وسلوك ناظمة للعمل الحزبي ينضبط لها الجميع تحت طائلة توقيع الجزاء.
صحيح أنه لا يختلف اثنان بكون ما تضمنه التسجيل الصوتي من عبارات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مبتذلة ومشينة وخادشة للحياء وصادمة للذوق العام، بل وتمتح من قاموس لم يألفه المغاربة – حتى لا أقول كلاما آخر – أنها تقع تحت طائلة القانون الجنائي وتستتبع المسؤولية الجنائية لمن صدرت عنه.
مما لا شك فيه أن هذه الواقعة أدانت أخلاقيا ومجتمعيا الأخ نور الدين مضيان وهو القيادي في حزب ضمير الأمة، على اعتبار أن دائرة الأخلاق أوسع وأشمل من دائرة القانون في ضبط وتنظيم العلاقات الاجتماعية.
لكن ما نأسف له كأبناء هذا الحزب العتيد أن قيادة حزب الاستقلال لم تتعاطى في حينه وإبانه مع هذا التسجيل الصوتي وما خلفة من استياء عارم بين صفوف المناضلين والمناضلات وتشويه لصورة بلد بأكمله وإساءة لتاريخ الحزب، لدرجة أصبح معه الحزب موضوعا للسخرية ومادة دسمة للتنكيت والتنذر بالصرامة والحزم اللازمين، وبما يستلزمه حجم الفضيحة الأخلاقية من قرارات شجاعة رادعة لكل من يجرأ على المساس بثوابت الحزب والإساءة لتاريخه النضالي الناصع، وتعطي فضلا عن ذلك رسالة واضحة وصريحة مفادها أن حزب الاستقلال هو حزب مؤسسات لا أشخاص وأنه لا يمكن أن يسمح لأي كان؛ مهما كان موقعه، الدوس على قيم الحزب ومبادئه وفكر رواده. بل وفي ضرب سافر لأنظمة الحزب اختارت القيادة آنذاك موقف المتفرج، بل وانتدبت الأخ نور الدين مضيان لترأس بعض المؤتمرات الإقليمية تمهيدا لعقد المؤتمر الوطني العام 18، وهذا ما اعتبره العديد من المناضلين والمتتبعين للشأن العام اصطفافا من قيادة الحزب إلى جانب المعتدي على حساب الضحية، بل وتطبيعا مع سلوك مرفوض غريب عن أخلاق الاستقلاليين أساء ليس فقط للضحية بل لجميع مكونات الحزب قيادة و قواعدا.
إذا كانت قيادة الحزب اختارت قبيل المؤتمر 18 التعامل مع هذه الفضيحة بمنطق كم حاجة قضيناها بتركها من أجل إنجاح المؤتمر العام؛ باعتباره محطة تنظيمية مفصلية، فنحن نلتمس لها ألف عذر بهذا الخصوص، لكن إذا ما كان موقفها قد ارتكن إلى وجوب مراعاة الوضع التنظيمي للأخ نور الدين مضيان فهذا ما لا يمكن قبوله تحت أية ذريعة أو مسوغ.
إن حزب الاستقلال لم ولن يكون في يوم من الأيام حزب أشخاص بل هو حزب تنظيم وحزب أمة ووطن، قوي بمناضليه عصي بتجذره المجتمعي، ولو كان الأمر خلاف ذلك لما صمد الحزب في وجه العواصف التي حاولت النيل منه لعل أبرزها كان انشقاق سنة 1959، وبعده رحيل الزعيم المرحوم علال الفاسي وثلة من الرواد الأوائل أمثال عبد الخالق الطريس والهاشمي الفيلالي ومولاي امحمد بوستة رحمة الله عليهم جميعا وتواري آخرين عن الأنظار، أمثال مولاي امحمد الدويري والأخ عباس الفاسي ومولاي امحمد الخليفة أطال الله في عمرهم.
إن الأخ نور الدين مضيان لا يعدو أن يكون مجرد برلماني عن إقليم الحسيمة سبقه إلى ذلك مناضلون آخرون، وما يعنيه ذلك أن حزب الاستقلال بالحسيمة متجذر تاريخيا بفضل تضحيات مناضليه الشرفاء الذين أسسوا وقعدوا لعمل الحزب في الإقليم، وأن كل ما يروج له من كون الأخ مضيان هو التنظيم داخل الإقليم وأنه رجل التوازنات بالريف ما هي إلا محاولة مكشوفة لتقزيم الحزب واختزاله في شخص الأخ مضيان وتبخيس لجهود وتضحيات المناضلين الشرفاء الذي سبقوه في الإقليم.
إن الحقيقة التي لا تكاد تخطئها العين أن الأخ مضيان هو من استفاد من إشعاع الحزب بالإقليم وليس العكس، وأن التوازنات داخل الريف الذي يشكل جزء من هذا الوطن العزيز تتحقق بفضل سيادة القانون واحترام المؤسسات ولا فضل في ذلك لأحد.
إننا اليوم وبعد النجاح الباهر الذي حققه المؤتمر الوطني 18 للحزب والذي من خلاله تم تجديد الثقة وبالإجماع في الأخ نزار بركة ليتولي قيادة سفينة حزب الاستقلال لولاية ثانية، وهي المحطة التي شكلت فرصة لبناء تعاقد جديد بين القيادة والقواعد تروم إعطاء مفهوم جديد للعمل الحزبي ودفعة قوية للمسار التنظيمي للحزب يرتكز على مبادئ الشفافية والنزاهة والتخليق، فإنه لم يعد مقبولا أن يكون في صفوف الحزب من يسيئ لقيمه وثوابته، فبالأحرى أن يكون ضمن موقع القيادة إلى جانب الأخ الأمين العام كل من هو محل شبهة أخلاقية أو موضوع ملاحقة قضائية. إذ من المفروض أن تكون القيادة الجديدة لحزب الاستقلال قدوة في الانضباط الحزبي والتنظيمي وإسوة حسنة في التحلي بدماثة الأخلاق وفضائل الإيثار ونكران الذات.
إن ما صدر عن الأخ نور الدين مضيان من سلوك مشين اشمأز له كل ذي ضمير حي وذوق سليم فيما بات يعرف بفضيحة التسجيل الصوتي لم يسئ فقط للأخت رفيعة المنصوري وعائلتها الصغيرة والكبيرة، بل أساء أيضا للمرأة المغربية عموما والمرأة الاستقلالية تحديدا، بل فوق كل هذا وذاك أساء لصورة وطن، اختار تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله ووفاء بالتزاماته الدولية، نهج توجه لا محيد عنه يتغيى تحقيق التمكين الفعلي للمرأة سياسيا.
لكل ذلك، فإن تضمين لائحة اللجنة التنفيذية المرتقب المصادقة عليها، اسم الأخ نور الدين مضيان كما تم تداوله إعلاميا، يشكل حقيقةً معاكسة صريحة لرسائل جلالة الملك الداعية لتخليق الحياة السياسة، بل انتحارا سياسيا لحزب الاستقلال وإعلانا عن إعدام مسار حزب طالما شكل قدوة للعمل الحزبي والسياسي بالمغرب.
بل إن كل مجازفة غير محسوبة العواقب في هذا الباب، عبر اقتراح الأخ نور الدين مضيان في اللائحة المقترحة يجعلنا نلتمس منكم وملؤنا أسى وحسرة إعادته من جديد لرئاسة الفريق النيابي لحزب الاستقلال، ولما لا اقتراحه للاستوزار في أقرب تعديل حكومي لينضم للائحة أعضاء حكومة صاحب الجلالة.