الكيان لم ينتصِر بالعدوان والجهاد لم يُهزَم

زهير حليم أندراوس

من السابق لأوانه تقييم العدوان الإسرائيليّ الوحشيّ الأخير ضدّ قطاع غزّة، مع ذلك، يجِب التشديد على عدّة نقاطٍ مهمّةٍ في مُحاولةٍ مُتواضعةٍ لوضع عدد من النقاط على بعض الحروف، وخصوصًا أنّ ماكينة الدعاية الصهيونيّة، تعمل، كعادتها، وبوتيرةٍ عاليّةٍ، على بثّ الأكاذيب وتستخدِم التضليل الإعلاميّ كوسيلةٍ ناجعةٍ لكيْ الوعيْ العربيّ في إطار الحرب النفسيّة التي تخوضها بهدف استدخال الهزيمة.

أولاً، نقولها وبكلّ أسفٍ إنّ عددًا لا يُستهان به من وسائل الإعلام العربيّة، لم ترتِق إلى مستوى الحدث، والأخطر من ذلك، أنّ هناك وسائط إعلام تتكلّم العربيّة، تبنّت الرواية الإسرائيليّة الرسميّة حول العدوان، الذي زعمت دولة الاحتلال وما زالت، أنّه جاء للدفاع عن النفس، رغم أنّ حركة (الجهاد الإسلاميّ) لم تُطلِق حتى قذيفةً واحِدةً، وإسرائيل، التي كانت تُخطِّط لشنّ “العملية العسكريّة” هي التي أمرت سُكّان الجنوب بالتزام بيوتهم، زاعمةً أنّها “تملك معلوماتٍ تؤكّد أنّ خليةً تابِعةً للجهاد تعكِف على توجيه ضربةٍ قاسيةٍ للجنوب”، وهو الأمر الذي دحضه الواقع على الأرض، والاحتلال هو الذي بدأ بالعدوان.

ثانيًا، إسرائيل تعيش أزماتٍ عديدةٍ وقادمة على معركةٍ انتخابيّةٍ في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) القادم. رئيس الحكومة الانتقاليّة، يائير لبيد، بحاجةٍ ماسّةٍ لرفع شعبيته لأنّ استطلاعات الرأي تؤكِّد أنّ رئيس الوزراء السابِق، بنيامين نتنياهو، ما زال يتصدّر بفارق 13 مقعدًا عن لبيد، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ مناهضي لبيد يُعيّرونه لانعدام تجربته الأمنيّة، وهذا الأمر هو بمثابة نقصٍ كبيرٍ في مجتمعٍ عسكريٍّ يبحث عن قادةٍ سجلّهم حافل بقتل العرب والفلسطينيين. لبيد خدم بجيش الاحتلال كمراسلٍ لصحيفة الجيش، وقبل أيّام تطرّق مُحلِّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت) للقضية وقال:”الإيرانيون يُمارِسون الضغوطات في جبهة لبنان وجبهة غزّة، ويفحصون كيفية تصرّف رئيس الوزراء يائير لبيد، الذي تتلّخص تجربته الأمنيّة بالعضوية في المجلس الوزاريّ المُصغّر للشؤون السياسيّة والأمنيّة”، على حدّ تعبيره. لذا، كان من الطبيعيّ أنْ يشُنّ لبيد العدوان لرفع رصيده الأمنيّ، ومحاولة زيادة شعبيته، ودفع الشعب الفلسطينيّ الفاتورة بدمائه ودمار بيوته.

ثالثًا، من المُفيد التذكير بأنّ الجيش الإسرائيليّ هو من أقوى الجيوش في العالم، ويتلّقى الدعم الماديّ والمعنويّ من الولايات المُتحدّة الأمريكيّة ودول الاتحاد الأوروبيّ، الذين يمنحونه الـ”غطاء الشرعيّ” في الهيئات الدوليّة، متبّنين زورًا وبُهتانًا الديباجة القائلة إنّه يضرب استباقيًا للدفاع عن نفسه وعن السُكّان المدنيين العُزّل في كيان الاحتلال من الفلسطينيين قاتلي الأطفال، كما أسماهم سفير أوكرانيا في إسرائيل. هذا الجيش بعدّته وعتاده خاض المعركة الأخيرة ضدّ تنظيم مقاومةٍ صغيرٍ (الجهاد الإسلاميّ)، وسبّبّ له الخسائر بالأرواح والممتلكات، ولكن بالمُقابل، ها هو المُحلِّل في صحيفة (هآرتس) العبريّة، روغل ألفر، يقول: “منذ بدء الـ(عمليةً)، استمرّ سُكّان الجنوب في الحياة تحت الإغلاق، ولكنْ بالمُقابِل أطلقت الصواريخ باتجاه مُستوطنات (غلاف غزّة)، وليس فقط هناك، بل وصلت الصواريخ إلى عسقلان، أسدود، بات يام، ريشون لتصيون وتل أبيب، وبتلخيصٍ غيرُ نهائيٍّ، فإنّه خلال (العملية العسكريّة) تعرّضت إسرائيل لمئات الصواريخ، على الرغم من أنّ سُكّان الجنوب كانوا تحت الإغلاق التّام”،كما قال. لذا فإنّ السؤال مَنْ انتصر في المعركة الأخيرة هو سؤالٌ مطاطيٌّ لأنّ الحرب لم تكُن مُتكافئةً بين أحد أكبر جيوش العالم وبين تنظيم مقاومةٍ صغيرٍ، والذي تمكّن رغم الظروف الصعبة من إطلاق أكثر من ألف صاروخٍ باتجاه جنوب ومركز إسرائيل خلال ثلاثة أيّامٍ.

رابعًا، زعم الاحتلال أنّ العملية العسكريّة حققت الردع، ومع أننّا نفتقِر لفهم العلوم الأمنيّة، إلّا أنّه يُمكن القول إنّ الادعاء الإسرائيليّ هو، كما وصفه أحد الخبراء في الكيان بأنّه “كذبةً اتفق الإسرائيليون عليها وصدّقوها”، ذلك أنّه كيف يُمكِن تفسير ردع (الجهاد الإسلاميّ)، الذي واصل القصف حتى اللحظة الأخيرة؟ وكيف استعادت إسرائيل قوّة الردع التي كانت قد أقرّت بتآكلها وحركة (حماس)، الكبيرة والخطيرة، لم تُشارِك في صدّ العدوان الأخير، علمًا أنّه في عملية (حارس الأسوار) أوْ (سيف القدس)، في أيّار (مايو) الماضي، شاركت حماس مع باقي التنظيمات، وتمكّنت المقاومة من قصف إسرائيل بأكثر من 4830 صاروخًا.

خامسًا، لوحِظ في العدوان الأخير وما سبقه وما لحقه، أنّ قادة الاحتلال من المُستوييْن الأمنيّ والسياسيّ، امتنعوا عن التهديد والوعيد بإعادة احتلال قطاع غزّة، وهذا الامتناع ليس لأنّهم تحوّلوا بقدرة قادرٍ إلى حمائم سلام وإلى ناشطين في منظمّات حقوق الإنسان، بلْ الحقيقة تكمن في أنّ “جيش الدفاع الإسرائيليّ” أوهن وأجبَن من الإقدام على مغامرةٍ خاسرةٍ، فتزامنًا مع تهديدات الأمين العّام لحزب الله، حسن نصر الله، في مقابلته الأخيرة مع فضائية (الميادين)، وبعد أنْ نعى الجنرال بالاحتياط يتسحاق بريك سلاح الجوّ الإسرائيليّ، وأكّد في مقالٍ بصحيفة (هآرتس) العبريّة، أنّ “سلاح الجوّ غيرُ مُستعّدٍ وقواعده هدفًا استراتيجيًّا لصواريخ العدوّ”، كشفت صحيفة (يسرائيل هايوم) العبريّة، ونقلاً عن ضباط كبار في سلاحيْ البريّة والمدرعّات في جيش الاحتلال، عن أنّه “مع تصاعُد التوترات بين حزب الله وإسرائيل، وإمكان اندلاع أيامٍ من القتال، أوْ حدوث تصعيدٍ في الشمال، الذي يبدو متوقعًا اليوم أكثر من الماضي، فإنّ جهوزية القوات البريّة يجب أنْ تثير قلق كلّ مواطنٍ في إسرائيل”، على حدّ تعبيرها، ونحن نقول من فمهم نُدينهم.

أخيرًا، المعركة انتهت، إسرائيل لم تنتصِر، وردعها لم يرجِع، (الجهاد الإسلاميّ) لم يُهزَم رغم عدم التكافؤ، وحتى خسارة أوْ ربح معركة لا تنعي بالضرورة الانتصار في الحرب.

كاتبُ ومُحللٌ سياسيٌّ من قرية ترشيحا شمال فلسطين.

قد يعجبك ايضا