عام على الحرب: الغرب يفاقم التعقيدات وروسيا تحدد خيارات مرحلة جديد بعد تحقيق تحولات مفصلية
د.حسناء نصر الحسين
أكملت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عامها الأول محدثة مجموعة من المتغيرات السياسية والعسكرية والأمنية وفرضت واقعا استراتيجيا جديدا على المستويين الدولي والإقليمي.
لتتحول العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا الى حرب شاملة وهذا ما بدى واضحا من خلال حجم التدخل و الدعم الأمريكي الغربي الكبيرين للقوات الأوكرانية والذي تمثل بحشد امريكي غربي على المستوى الدولي لمواجهة روسيا وعزلها عن الساحة الدولية ، وفتح مستودعاتها الحديثة والمتطورة لمواجهة روسيا وضربها من الداخل وهذا ما حول هذه العملية التي كانت تهدف لحماية الأمن القومي الروسي للحدود الجغرافية الروسية التي كانت في تلك الحقبة الى حماية الحدود الجغرافية الروسية التاريخية وهذا ما عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته التي القاها أمام البرلمان الروسي بمناسبة مرور عام على العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا مستشهدا بتاريخ الغرب الذي حاول اسقاط روسيا التاريخية عبر الحقب التاريخية المتعاقبة .
لتدخل روسيا مع الغرب الامريكي عاما جديدا من الصراع باستراتيجيات جديدة تنسجم مع واقع التحديات التي فرضها الغرب عليها من خلال تقديمه الاسلحة بعيدة المدى لنظام كييف مما يجعل الجيش الروسي امام تحد جديد يتمثل بالمزيد من التقدم داخل الاراضي الاوكرانية لإبعاد خطر هذا السلاح عن الاراضي الروسية .
وهذا مؤشر آخر أن الغرب وضع العالم أمام حرب استنزاف طويلة من خلال استمراريته بتقديم الدعم للجيش الاوكراني والنازيين الجدد ونقل عصابات ارهابية اخرى موجودة في سورية الى اوكرانيا لمواجهة الجيش الروسي .
فالناتو الذي راهن على احداث تصدع في البنية الداخلية الروسية من خلال المكنات الاعلامية الضخمة التي كانت تدير هذا الصراع الامريكي الغربي مع روسيا ومحاولته لضرب الاقتصاد الروسي من خلال خروج الشركات الغربية من روسيا وفرض العقوبات الجائرة على روسيا والشعب الروسي وتجميد الاصول الروسية في البنوك الغربية لتأليب الداخل الروسي وإسقاط بوتين فشل في توظيف كل هذه المسارات وبالتالي فشل في تحقيق الهدف منها .
مخطئ من يعتقد بأن القيادة الروسية ذهبت لخيار الحرب مع امريكا دون تحضيرات مسبقة ودراسات دقيقة من قبل الاستخبارات الروسية التي كانت تراقب التحركات الامريكية الغربية في اوكرانيا من خلال تقديم الدعم العسكري الكبير للجيش الاوكراني ووضع القواعد العسكرية للناتو على حدود روسيا ونشر المعامل البيولوجية والتحضير لنشر الاسلحة النووية ، وامام هذه الدراسات التي اكدت النية المبيتة للناتو للتحضير لضرب روسيا وعدم التزام امريكا والغرب بالقرارات الصادرة عن مجلس الامن جعل روسيا متيقظة لهذا المشروع الغربي فلو تأخر بوتين عن اعلان ساعة الصفر لكانت الاقاليم الاربعة التي انضمت لروسية بموجب استفتاء شعبي قد سقطت بيد الغرب وعملاء امريكا من نازيين جدد وغيرهم .
امريكا تسعى لخلق بؤرة توتر في الشرق وعلى الحدود الروسية فكانت اوكرانيا هي هذه البؤرة لتكون مقدمة لصراع طويل الأمد بين الغرب والشرق .
واذا اردنا تلخيص مخرجات العام الاول من هذا الصراع الغربي الروسي نستطيع حصره بالنقاط التالية :
صمود الجبهة الداخلية الروسية ودعم غالبيتها للعملية العسكرية التي اطلقتها القيادة الروسية .
فاعلية القرارات الروسية لمواجهة العقوبات الغربية وافشالها .
صوابية القرار الروسي بإدخال الطاقة كسلاح استراتيجي يضاف لترسانة الاسلحة العسكرية وهذا القرار تم اتخاذه منذ اكثر من عقد .
استقرار الاقتصاد الروسي وارتفاع في سعر الروبل امام العملات الاجنبية الأخرى.
نجحت روسيا من خلال هذه العملية بفضح المشروع الامريكي الغربي المتمثل بنقل الصراع الى الشرق حيث الثقل الاقتصادي الصاعد .
انشاء تحالفات دولية استراتيجية مع كل من الصين وإيران .
نجحت روسيا في تقديم نفسها كبديل عالمي في بلدان العالم الثالث الذي يعيش تحت وطأة طغاة الليبرالية العالمية .
تمدد روسيا للحدائق الخلفية الامريكية في دول امريكا اللاتينية المناهضة للسياسات .
تدمير روسيا لمختبرات البنتاحون البيولوجية في اوكرانيا بكل ما تحتوية من اسرار وخفايا.
استطاعت روسيا ضم وإضافة أربعة مناطق جديدة ومتكاملة تاريخيا إلى وبمساحات واسعة .
فشل امريكا في عزل روسيا عن الساحة الدولية وتمرد بعض الدول التي كانت تدور في الفلك الامريكي على السياسات الامريكية واهمها الدول النفطية في الشرق الاوسط .
خروج الصين عن سياساتها الخارجية المعتمدة على الدبلوماسية الهادئة ورأينا التحول في الخطاب الدبلوماسي الصيني باتجاه التصعيد بوجه امريكا.
النتائج العكسية للعقوبات الامريكية الغربية على الطاقة الروسية بما فجر الوضع الداخلي داخل الدول الاوروبية والمظاهرات تعم شوارع بلدانها نتيجة التضخم .
من هنا نستقرأ بأن العملية الخاصة الروسية في اوكرانيا كان لها هذه المخرجات الهامة والتي أثرت بشكل كبير على النظام الدولي المعروف بالاحادية القطبية ووضعت العالم على مفترق طرق بين النظام الدولي الحالي الآيل للسقوط وبين من يرى بضرورة الاستفادة من هذا الصراع الدولي واعادة التموضع لبناء عالم جديد مبني على الشراكة واحترام المصالح .
والأهم هو تحول العملية العسكرية الخاصة الروسية لحرب شاملة والتحضير الروسي لحرب شاملة دون تحديد جدول زمني لهذه الحرب فعامل الوقت مقترن بتأمين مصالح الشرق وليس فقط مصالح روسيا .
فما الذي يحمله العام الجديد لهذه الحرب في ظل تزايد التعقيدات واتساع دائرة الدعم الغربي لأوكرانيا بالسلاح الغربي كما والاهم منه نوعا، ولعل في ظل تبات السياسات الغربية تجاه هذه الحرب والاصرار على رسم تحول فيها لصالح أوكرانيا وهو لم يحصل، يضع الغرب هذه الحرب على طريق التعقيد الذي سيجبر روسيا على تطوير ادواتها وتوسيع خيارات التعامل معها بما يصنع المزيد من التحولات المفصلية وتسجل متغيرات قد ترسم نهاية لهذه الحرب.
باحثة في العلاقات الدولية – دمشق