القاسمي يكتب: 3 سنوات في زنزانة إنفرادية أنهكتني وأنا شابٌّ، فكيف الحال برجلٍ في سِنِّ النَّقيب الإنسان : محمد زَيَّان ؟!

جلسات كثيرة ومتعددة جمعتني مع النقيب الإنسان محمد زيان ، حيث قضينا أوقات طويلة خلال أطوار محاكمة معتقلي حراك الرِّيف، وبعد ذلك جلسات الصحافي توفيق بوعشرين باستئنافية البيضاء ، نفس المحكمة التي قضت في وقت لاحق بثلاث سنوات نافذة في حقي مع توصية بوضعي في زنزانة إنفرادية بئيسة ، كم من مرة توجهت رفقة السيِّد النقيب إلى المقهى أو المطعم لتكسير إرهاق طول الجلسات ، وكنَّا نتبادل أطراف الحديث حول قضايا عدة ، منها ما يجوز وما لايجوز الحديث فيه الآن، علينا أن نتقن لغة الصمت ليس خوفاً ، ولكن حتى لا نتسبب المزيد من المتاعب لعائلاتنا وأقاربنا وأحبابنا ، لن نتحمل عناءهم مرة أخرى ، ولا أحد يستحق أن تناضل لأجله إلا الأسرة بالدرجة الأولى ، لأنها الوحيدة التي تبقى معك حتى النهاية … !.
عن قرب تعرَّفت على محمد زيان فوجدتني أمام رجل قانون من الطراز الرفيع ، سياسي محنك ، رجل يقول كل شيء ، لا يخشى أحداً، يعرف الخبايا والأسرار ، يعيش حياة عفوية ، يُحب المزاح مع أصدقائه ، يناقش كل فرد بما يمكن أن يستوعبه ، يُخاطب الناس على قدر عقولهم ، لازلت أذكر يوم كنَّا نتحدث على المكائد التي تلاحق (المُتحمِّسين) فتوقَّع لي السجن حينها نظرا للمعلومات التي تشاركناها ، فقابلت كلامه بنوع من السخرية نظرا لمعرفتي وعلاقتي بالسَّراب حينذاك ، لكن الزمان عاكس خيالي وتوهُّمي والقدر المحتوم ألزمني العيش في زنزانة انفرادية ثلاث سنوات وهي نفس الحياة التي فرضت على النقيب زيان ، ثلاث سنوات في زنزانة انفرادية أيضا ، أنا شاب ولازلت أتمتع بالقدرة ورغم ذلك أنهكتني ظروف العزلة ، أتعبتني ، بعثرتني، أرهقتني ، فما بال رجل كهل في سنِّ الكبير محمد زيان ، عندما أريد أن أتصور الأمر أشعر بالألم يجترح قلبي وتتملكني رعشة الرُّعب ، لا يمكن أن يتصور الناس مدى حياة السجين في الجناح الانفرادي إلا من عاش فيه ، أي جرم يرتكب الإنسان حتى يعاقب مرتين ، السجن والعزلة عن السجناء أيضا ؟! ، من موقعي ووضعي شخصيا كانت العزلة رحمة بي ، أم النقيب فإنه يحتاج لمن يخدمه ، العزلة في حقه انتقام غير مبرَّر … !.
سياق حديثنا يأتي بعدما ظھر النقيب السابق محمد زيان أخيرا من أجل حضوره لأحد الجلسات القضائية أمام المحكمة في حالة يرتى لھا، ذلك أن بنيته الجسدية ضعيفة وأخذ منه الكبر والوھن، ويلوح على وجهه آثار المرض والإعياء، مما يخلف لدى المشاھد حالة تعبير عن حس الشفقة والتعاطف، وھذا ما جعل مواقع التواصل الاجتماعي على مختلف تطبيقاتھا تعج بالمتعاطفين الذين عبروا عن إستيائھم من وضعية النقيب بغض النظر عن أسباب المتابعات والاعتقال.
والدافع وراء حضور أو إحضار المحامي محمد زيان من السجن في حالة اعتقال إلى المحكمة ھو وجود قضية متابع فيھا تتعلق بإرجاع مبالغ مالية تخص دعم الحزب الذي كان يترأسه إلى خزينة الدولة، ويدفع دفاعه حسب ما ورد بموقع الحياة اليومية التابعة لمحمد زيان أن التقرير الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات الخاص بالسنة المالية 2023 يتضمن تبرئة لزيان من تھمة الاختلاس. وخلال ھذه الجلسة التي عقدتھا الغرفة بمحكمة الاستئناف بالرباط التمس دفاعه مهلة قانونية من أجل إعداد دفاعه، وھو الأمر الذي استجابت له المحكمة لتأجل قضيته إلى 14 يونيو المقبل من أجل إعداد الملف.
ومحمد زيان المحكوم عليه بثلاث سنوات حبسا والتي يقضيھا حاليا بالسجن بسبب تھم تتعلق بإھانة ھيئة قضائية وكذا قضايا تتعلق بالجنس، يعتبر أن الدافع الحقيقي وراء هذه المتابعات ھو انتقام منه بسبب مواقفه السياسية وآرائه وانتقاداته التي تتعارض والخط الرسمي لجھات نافذة في الدولة، وھذا قول بعض المغاربة المھتمين بالشأن الحقوقي في المغرب. فيما ينبري الرأي الآخر والذي يوافق الرواية الرسمية أن النقيب محمد زيان بخرجاته السياسية تلك كان يبحث عن موقع قدم له في السلطة خصوصا وأنه كان يشغل منصب زوير حقوق الانسان في عھد الملك الراحل الحسن الثاني، وأنه جزء من تركة وزير الداخلية الراحل إدريس البصري، وكان يأتمر بأمره خلال تلك الحقبة، ولايمكن إرجاعه إلى مربع العھد الحالي، وأن متابعته القضائية لا علاقة لھا بتصريحاته أو خرجاته، ويدفعون بحجتھم أن ھناك من الحقوقيين المنتقدين الذين يعتبر سقف تصريحاتھم أعلى وأدق منه بكثير ولم يتم متابعتھم بتھم جنائية لسبب بسيط أنھم لم يقترفوا أي جرم يحرك المتابعة في حقھم.
والثابت في الجانب الانساني، وبغض النظر عن الدوافع الخلفية وراء متابعة النقيب محمد زيان من عدمھا، أن ھذا الأخير يعاني حسب ما صرحت به أسرته إعلاميا من أمراض مزمنة شتى، أھمھا مرض القلب والتھاب المفاصل وأمراض أخرى سببھا كبر السن ووضعه داخل جدران السجن. ولھذا فإن تواجده في السجن يبقى أمرا في غاية الألم يعضد ھذا الألم كبر سنه وشيخوخته وبنيته الھزيلة التي تبعث على القلق. فمشھد توجهه إلى المحكمة تحت مراقبة دركيين وھو في وھن وضعف يخنق التعبير ويفقد عبارات الوصف، وھذا ما جعل منصات التواصل الاجتماعي تجعل موضوعه الحديث الأبرز خلال الأيام الأخيرة ، وخلق تعاطفا قويا، الأمر الذي يجعل تحريك الضمير الحي الانساني واجب للتقيد به من أجل آطلاق سراحه بأية إمكانية قانونية تحفظ وجه الجميع.
ورجوعا على بدء لهذه المتابعة التي تخص الأستاذ محمد زيان، فالدستور المغربي يجعل الكل متساو أمام القانون سواء كانوا أفرادا أم جماعات استنادا إلى فلسفة مونتسكيو التي تعتبر أن القانون مثل الموت لا يستثني أحدا، وھذا ما نفتقده في ملف محمد زيان، فكيف أن القضية تتعلق باختلاس أموال دعم عمومي معززة بحجج تقارير صادرة عن جھة رسمية، وأن نفس الجھة أوردت في تقاريرھا أن مجموعة من الأحزاب السياسية قامت بخروقات مالية تعتبر أفعالا جنائية، ومع ذلك فإن المتابعة لم تطلھم، أو على الأقل لم تصدر بلاغات تؤكد ترتيب المتابعات حتى يأخذ الرأي العام علما، وھذا ما يعزز الرأي القائل بأن متابعة النقيب وراءھا دوافع سياسية تتعلق بآرائه ومواقفه .
غير أن التسأول الذي يطرح ھو ما الذي ستخسره الدولة إن قامت بالافراج عن النقيب محمد زيان؟ ھل في الأمر نقيصة لھيبتھا؟ لا أظن أن عاقلا واحدا سيقول بھذا. فالمؤكد أن العدالة ھي جوھر القانون، وأن قوام العدالة ھي الرحمة وليس القسوة، وأن الافراج عنه تحت أي مسمى سوف يقوي من ھيبة الدولة ويجعل الناقمين والمعارضين يراجعون أوراقھم وربما يعدلون من مواقفھم، وإن لم يتراجعوا سيتراجع عدد المؤيدين لھم، خصوصا إذا كانت انتقاداتھم تتأسس على قسوة النظام ثم يظھر ھذا الأخير رحمته وعطفه، وھذا ليس ببعيد فالنظام تنبني فلسفته وعقيدته على الأبوة في ظل إمارة المؤمنين .
قد يعجبك ايضا