محمد القاسمي يكتب: الجمهورية الرِّيفية بين الإتِّصال والإنفصال ..!؟
عندما قامت دولة الجزائر في الأيام الأخيرة بافتتاح تمثيلية ديبلوماسية لحزب من الريف المغربي بنيت عقيدته على الانفصال عن المغرب والدعوة إلى تأسيس دولة مستقلة، وقد قامت أصوات عديدة في المغرب تستنكر هذه الخطوة الغادرة من دولة الجزائر الشقيقة، وكذلك تستهجنها وتستصغرها وتعتبرها خطوة انتحارية في غير سياقها، وغير ذات جدية، وغير مقبولة عقلا ومنطقا .
في حين أن البعض الآخر يعتبرها ردًّا على المزايدة المغربية وذلك باعترافه بحركة الماك القبايلية ومساندة مطالبها في الإنفصال وإن كان الكل مؤمن أن سلوك المغرب لا يخرج عن شد حبل لرجل منفعل حتى يعود عن غيه، غير أن واقعة افتتاح تمثيلية للحزب الوطني الريفي بالجزائر يجعل المرء يتوقف ليتساءل بعيدا عن الإنفعالات والغضب والرد المتسرع بأن الجزائر غادرة وأن هؤلاء الأشخاص قلة ولا تأثير لهم في الواقع وأن الريف سيبقى مغربيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إلى غير ذلك من الخطابات الرنّانة التي تسكن الألم والجروح وتعطي الإنتعاش بالتعالي غير أنها لا تقف على حقيقة السؤال وتحليله بموضوعية وهو لماذا قام شباب من الريف بهذه الخطوة ؟ وما هي مطالبهم الحقيقَّة ؟.
الملاحظة الأولية أن هذا الحزب أسسه مجموعة من المغاربة في بلجيكا وإيطاليا هولندا ودول أوروبية أخرى ، وأسباب نزوله هو الرد على الاعتقالات التي طالت شباب الريف عقب الحراك الشعبي، وجاء هذا الحزب أو هذه الحركة كرد فعل متطرف على الغبن الذي طال هؤلاء الشباب من حراك الريف والأحكام القاسية ، وكذلك الخطوة الغير المحسوبة التي قامت بها جل الأحزاب المغربية والتي اعتبرت أن حراك الريف يحمل نفحة انفصالية، وكأن هؤلاء الشباب المؤسسين للحزب أو الحركة يقولون إن كانت مطالب اجتماعية زجت بشباب الريف في السِّجن، وأن الأحزاب تداعت على الحراك بالانفصال، فإن سقف المطالب سيرتفع من مطالب اجتماعية إلى مطالب سياسية حتى تكون المزايدة في أقصاها وتجد صدى لها وتدعن الدولة إلى الحوار وحلحة الملف …
فالمتتبع بتمعن لخطابات هؤلاء الشباب سيتبين له أنهم فقط يزايدون بخطابات سياسية وفي كل محطة ، وعندما تجابه مطالبهم بالصمت والسجن يتم رفع سقف المطالب بشكل تصاعدي، وكأني بهم يهمسون أليس في الدولة رجل رشيد يستمع لهذا النبض ويطلبنا لمائدة الحوار … ؟!، على غرار أنني تابعت أطوار محاكمة ناصر الزفزافي ورفاقه باستئنافية البيضاء، وأعرف كواليس الملف ، شخصيا التقيت العديد منهم في السِّجن وأنا نزيل بالمؤسسة السجنية مثلهم ، ناقشتهم وحاورتهم كثيراً فوجدت وطنيتهم خط أحمر وغير قابلة للمزايدات ، لكن لهم مواقف ثابتة لا يمكنهم التنازل عليها كطلب العفو وغيره … ، لأن لهم قناعة راسخة أن مطالبهم مشروعة ولم يرتكبوا أي ذنب في حق السلطة المركزية التي كان من الأجدر أن تتعامل مع ملفهم المطلبي بطرق سلمية وعدم استعمال جهاز القضاء كعصا فزاعة للردع والتربية .
فعندما طال صمت رجال الدولة وفقدان الثقة في الأحزاب التي ركنت بدورها للصمت وكأن الأمر لا يعنيها وأراحت نفسها منه، ولم يتم إيجاد صيغة معقولة تحفظ الكرامة للجميع في ملف معتلقي الريف، ووجود وسائل الإعلام التي تنهج خطا تشهيريا وتروج لمعتقلي الحراك أنهم خونة ولهم علاقات مارقة تخدم خطابات عدائية خارجية، ونشر مقالات كانت تأتي جاهزة ومُعنونة تهاجم بين الفينة والأخرى كل ماله علاقة بالملف ، فكان لا بد من رد تصعيدي وهو تأسيس تمثيلية لهم بالجزائر، وكأني بهم يقولون مرة أخرى : تدَّعون أننا نخدم أجندات في السر فلنقلها في العلن بعد أن تم الاتهام بالانفصال طالبوا به.
غير أن العقل يؤكد بشكل جلي أن هؤلاء الشباب مؤسسي الحزب ورغم صياحهم فهم مؤمنون بأن الفكرة أصلا غير منطقية وغير عاقلة وغير مقبولة إجتماعيا وإنسانيا وسياسيا، وذلك لمجموعة من الإعتبارات السياسية والاجتماعية، فلكي تنفصل يجب أن تكون لك خصائص غريبة عن باقي أنحاء الرقعة وتحس فعلا على المستوى الإنساني والاجتماعي أنك أقلية وغير مرغوب فيك، وهذا ما لايمكن تصوره في حالة الريف فالمنطقة كما باقي مناطق المغرب منسجمة في الهوية والإنتماء ولها تعاقد موحد وتلتزم اجتماعيا وسياسيا وثقافيا مع كل مناطق المغرب، وأهم واقعة تؤكد ذلك هو الزلزال الذي ضرب الحسيمة حيث أن جميع المغاربة تجندوا وعبروا عن لحمة واحدة وموحدة لمواجهة هذه الكارثة الطبيعية ولم يتم البتة أن سمعت عبارات ولو نشازا تعبر عن الميز العنصري أو غيره كما أن هناك معطى آخر أن المنطقة المحسوبة على الريف جغرافيا صارت منطقة لكل العرقيات ، فهناك مشاريع ضخمة يديروها الألاف من الشباب المغربي القادم من كل ربوع المملكة وبالتي يصعب الحديث عن نوع بعينه في ظل تعدد محتوم يغلب طابع القبيلة ، وإن كان البعض يتهم الدولة بنهج استراتيجية لإفراغ الريفيين من أراضيهم عبر تضييق الخناق على المستثمرين الكبار المشكوك في ولائهم للدولة، والذين تعرقلت شؤونهم الإدارية فقرروا العودة لبلدانهم الأخرى ، أو السماح لمافيا الهجرة السرية التي تستهدف الرِّيفيين على وجه الخصوص وهو ما تؤكده العديد من الفيديوهات الموثقة التي لم تنشر ولم تُداع بشكل عبثي بل كانت إشارة واضحة أن أبناء الأقاليم الشرقية على وجه الخصوص يهاجرون وطنهم بشكل رهيب، وهو موضوع آخر يمكننا التوقف عليه في وقت لاحق …
إن القول في ما يقع أن شباب الريف وهم مغاربة يريدونَ حلاًّ واقعيا وملموسا لأبنائهم الذين سجنوا عقب الحراك وذلك عبر حل يحفظ الكرامة للدولة ، ولهؤلاء الأبناء ، وخلق تنمية مجالية تربط شمال المغرب مع جنوبه عبر وسطه، وأن يتم فتح حوار جِدِّي ومسؤول في تصالح تام مع المواطنين ولا يمكن تصور هذا إلا ببناء دولة ديموقراطية حقيقية تضمن الحرية والكرامة للجميع، والغاية بناء وطن يقبل بالاختلاف ويؤمن بأن التناقضات الاجتماعية، ويعتز بكونها موجودة ويتعايش من أجلها .